التراث الادبي في وادي الفرات
التــــــراث الأدبـــــي فـــــي وادي الفـــــرات
سليمان خالد النجم وادي الفرات كان مرتعاً لحضارات متعاقبة موغلة في القدم تشهد عليها الممالك وآثار الحضارات القديمة التي نشأت واندثرت على ضفاف هذا النهر الخالد والتي ماتزال بقايا آثارها شامخة حتى عصرنا الحالي . وقد ساعد على نشوء هذه الحضارات والممالك امتداد هذا النهر وغزارته وضمه للباديه الى صدره كما الام الحنون .ثم إن توالي تلك الحضارات وتمازجها ادى الى صوغ أدب تراثي جميل ومن نوع خاص تناقله ابناء الفرات ممن سكنوا هذا الوادي جيلاً بعد جيل ولقرون عديدة لعبت فيه دوراً كبيراً اللغة التي يتكلمها ابناء هذا الوادي ولهجتهم المميزة وطبيعة أهلها بكل ما حفلت به هذه الطبيعة من آلام وأحزان وأفراح فكانت بمثابة التاريخ الذي ينطق وتحكي به أيامهم الخالية والموغلة في صدرالزمان وصفحاته قدم الحقيقة والخيال . لقد تغنى أبناء الفرات بهذا الأدب وصاغوه كلمات عذبة ولجت الى الروح ودخلت الى الذات ، تغنوا به ونفثوه من صدورهم على آلة تدعى الرباب أحياناً واحياناً أخرى على قرع الدفوف والطبول ونحيب المزامير وهذا التمازج الفريد مابين فلسفة الحزن وفلسفة الحياة والموت أضفى على هذا الادب عذوبة وحلاوة لامثيل لها. فهو تراث راق لايستطيع ان يلج إليه أحد إلا الدارسين والمتعمقين في دراسة تاريخ هذه المنطقة فهو سهل بسيط كبساطة ابناء الفرات وطيبتهم وحتى بكل ما يحمله نهر الفرات من آهات وأحزان نذكر منه : يا بيدي لاصفق العشرة ياحيف على خدر الطواها البين ياحيف طيور إلمالها صقار يا ياحيف غدت بيد العكاعك والعكاب ومن أهم أقسام هذا الادب التراثي وأشمله شوعاً ما يسمى العتابا الفراتية وما هي إلا النزر اليسير الذي وصل إلينا من التراث الذي ضاع من تراثنا الفراتي قبل التدوين وبعده والذي فقدناه نتيجة لعدم توثيقه وذلك لان العتابا قد انتقلت شفوياً جيلاً بعد جيل فلم يصل إلينا الا الجزء البسيط منها والجزء الغالب والكبير اندثر بموت من كانوا يحفظونها ويرجع ذلك الى تردي الحالة الاجتماعية وتفشي الأمية بين أفراد المجتمع الفراتي آنذاك والعتابا بدورها تقسم الى شقين والتي تعرف بلغة أهل الفرات بالفراقيات والهواويات . - فالفراقيات : سميت كذلك لما فيها من شوق وحنين الى الديار والوطن والاهل والاحبة تعبر عن مكنون النفس ومايدور فيها . ذات نزعة فردية في معظم حالاتها فهي تحمل دائماً هموم ولواعج مما سيدور من اختلاجات النفس للآخرين بطريقة عاطفية عذبة الى كل من يسمعها ويقرؤها بكل مافيها من آلام ومصائب وويلات وتكون أشبه بالبكاء على القبور أو عد المحاسن للرجال والاقوام وصفاتهم نذكر منها : ياعيني ماتهل الدمع بس ماي وزادي يوم فراك الولف بسماوي ياناري ماتعم الخلك بس ماي علي حاربت ليل الدجى والحداء هو نوع مميز من فن العتابا والفراقيات ويأتي بمثابة الرثاء في الشعر حيث يدخل فيه نعي الاهل والاحباب ممن غادرونا الى العالم الآخر حيث ينعى المتوفى من خلال إطلاق كلمات الحداء والتي في غالب الأحيان تعبر عن المتوفى بكل ما تحمله الكلمة من معنى وخير من أجاد في هذا المجال شاعرة فراتية عمياء والتي فقدت بصرها من جراء داء الرمد الذي اجتاح المنطقة وحصد الكثير من ابنائها ومنهم أقرباء الشاعرة والذي قديكون أحد اسباب قدرتها على نظم على هذا النوع من القصيد فلو وجدت هذه المرأة في عصرنا الحالي لأصبحت من ألمع شعراء التراث في عصرنا وتدعى هذه المرأة الفراتية بخرمة المعمارية أو خرمة العدادة وقد جمع حداؤها في ديوان من الشعر رحل شيخ الزعيم اللي بداره حماة الظعن ماهو حماة داره جكصر البردويل اللي بداراه كسر جيش الهلالي وانتحى والهواويات : هو الشق الثاني من العتابا وهي من أروع ما قيل من الغزل الفراتي الصادق والذي يكو ن عذرياً خالياً يصف ماتملكه المرأة المحبوبة من جمال وأدب وأخلاق وصفات حميدة وما الى ذلك . وهذا ولم تكن العتابا من نتائج زمن معين أو صنع رجل واحد أوجماعة أو مجلس وإنما كانت نتاج حضارة لمجتمع بكل ما احتواه ذلك من مآسٍ واحزان وأفراح وحروب وتاريخ تتعاقب أيامه تباعاً بحلوها ومرها بالرغم من انها كانت تحمل بعض النزعات الفردية كانت غناء الاجداد في الازمنة الماضية والتي حفظتها عنهم الاجيال وتناقلتها جيلاً بعد جيل في الصدور وعلى الشفاه . وبتقدير بعض الدارسين والمهتمين بجمع هذا التراث الادبي ودراسته وتاريخه حيث ردوا تاريخ العتابا الى قرابة الألف عام مضت وفي منقطة وادي الرافدين بالذات والتي شهدت معارك طاحنة وحروباً أهلية مؤسفة وما الى الى ذلك من الاحداث التاريخية بل وزد على ذلك الارهاب وخنق الحريات عبر البلاد التي مر بها الغزو .... و كل ذلك كان حرياً ان يبدع نوعاً جديد من الادب الغنائي و الذي يختلف في مكنونه كل الاختلاف عما عرفناه من غناء القصور و مجالس الطرب و النشوة فنجد في هذا الغناء وصفاً دقيقاً للحالة الاجتماعية المتردية بعيداً كل البعد عن استجداء الامراء و بلاط الحكام و الخلفاء و غيرهم . - ومنهم من قال في هذا الادب : « الأدب الشعبي الفراتي ذو صلة وثيقة في اللغة العربية لاحتوائه على ألفاظ عربية كثيرة و ان لم توجد في المعاجم » ذو صلة بالتاريخ السياسي لهذا الوادي اي ان بعض الدارسين قد استندوا الى العتابا و ما تحتويه الى دراسة تاريخ وادي الفرات و معرفة واقعه السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي . و نجد هذا الغناء في عصرنا هذا مادة منفصلة محبوبة لدى الشريحة العظمى من ابناء وادي الفرات و على طول امتداده على الرغم من عدم اهتمام الجيل الحالي بها وإهماله لها . - و من ابرز ما حفظ و نمى هذا الادب الى ان وصل الينا المجالس و الدواوين التي كانت تنتشر في كل ركن من ارجاء المدينة آنذاك فلا يكاد حي يخلو منها حيث كان ابناء وادي الفرات يجتمعون في تلك المجالس يتسامرون فيها و يبحثون في قضاياهم و امور حياتهم و يناقشون همومهم و مشاكلهم و لم تخل تلك المجالس في الغالب من سماع العتابا حيث تمخض عن هذه الدواوين و المجالس شعراء كثيرون كانوا يتوافدون الى تلك الدواوين لينقلوا ما حفظوه من شعر العتابا القصصية بأروع صورها و قد حفظ المعمرون من ابناء وادي الفرات اسماء و اشعار لكثير منهم ممن وصل لنا صيتهم و كان الأبرز من بينهم شاعرين هما : - واوي العجل الخابوري و الذي كان سبباً من اسباب ذيوع قصة عبد الله الفاضل و شعره و هي القصة المعروفة عند الكثير من ابناء الفرات و عبد الله الفاضل هو شيخ عشيرة الحسنة العنزية ولد في منطقة العلا بتدمر منذ حوالي قرنين و نصف من الزمن كان فارساً و شاعراً و اميراً اصيب بالجدري فتركه اهله في خيمة مع كلب له اسمه شير ورحلوا عنه . مدح اهله و عشيرته بشعر صاغ به مأساته بكل ما تحمله الكلمة من معنى من نكران و جفاء و حزن بكلمة ( هلي ) حتى قيل ان كل بيت يبدأ بكلمة هلي هو لعبدالله الفاضل و قد حفظ ابناء الفرات قصته عن ظهر قلب و تناقلوها جيلاً بعد جيل و مع ان بعض الدارسين اكدوا انها كانت بمثابة الاسطورة نذكر من شعره : هلي سمح الطرايج و شملوهن ياعود الحور عالي و شملوهن هلي عوج المناسف و شملوهن حميس الظان بسنين الغــــلا - اما الثاني فهو عكار البغدادي و الذي نظم شعر العتابا و غناها لأبناء وادي الفرات اطربهم و اشجاهم قرابة النصف قرن من الزمن و كان أفضل من أجاد العزف على آلة الرباب و التي كانت موسيقا العتابا المرافقة . و قد قال فيه الشاعر محمد الفراتي حين سمع عزفه على آلة الرباب و غناءه العذب بيتين من الشعر حفظهما لنا الكاتب أحمد الشوحان في كتابه قال فيهما : أصدح من قيثارة بيتهوفن ربابة في يد عكار قد اسكرتني امس ألحانها بل كهربت روحي بتيار - و كان من المهتمين في ذلك التراث و جمعه السيد صالح السيد ابو جناه رحمه الله و الذي قدم لنا كتاباً هو ديوان العتابا حيث رتبه و نسقه السيد ناجي حطاب و السيد عدنان الفتيح و قد طبع بدمشق سنة / 1966/م . |
رد: التــــــراث الأدبـــــي فـــــي وادي ال
بارك الله فيك على هذه المشاركه والله يعطيك الف عافية
بإنتظار مايسطره قلمك من جديد ومفيد آرق تحياتي الـــــفراتي |
رد: التراث الادبي في وادي الفرات
اللهم صل على الحبيب المحبوب شافي العلل ومفرج الكروب
|
الساعة الآن 10:09 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |