الكون في رقيٍّ على الدوام
"إنَّ الحقَّ - سبحانه وتعالى - قدّر أن يفيض الكمال على أهل الوجود، فواجههم بأنوار قدرته بالتدريج والألطاف، أظهر الآيات الدَّالَّة على وحدانيته، فوحَّدوه. وأقام لهم الدلائل على كرمه فأحبُّوه. ولما تقوَّتِ العقول بظهور الآيات أشرق عليها أنوار التجليات، ومعاني الأسماء والصفات، وكلَّما مضى زمان تجلَّى للعارفين بمعنى أرقّ، فيزداد الحبُّ والإيقان.
فمن ذلك: أن الله تجلَّى باسمه "الرحيم" فخلق الحيوانات رحمة بالإنسان، تحمله ، وتحمل أثقاله إلى أماكن بعيدة (1) ، فتجلَّى برحمة أوسع فألهم الإنسان سر الطائرة، وسرَّ الكهرباء في السلب والإيجاب، وانبعاث التيار، فكان من أعظم مظاهر تجلِّي "الرحمن" وشهود نور اسمه "السريع" ظاهراً للعيان.
ومن ذلك: تجلِّيه بمعاني الهداية والنور في عالم الأجسام، في مظاهر المسرجة والفتيلة لإضاءة الظلام، فتجلَّى في مظهر الإشراق بالكهرباء حتى أصبح الليل نهاراً من شدة الضياء.
وكان متجلياً باسمه"الشافي" في مظاهر محدودة ، ولكنه تعالى تجلَّى فلطَّف الدواء بالتحليل والتركيب والسحق والتهذيب، وتجلَّى بالرؤوف العطوف، فكشف سر البنج، فلم يشعر المريض بالتعذيب.
وكان متجلياً باسمه "الستَّار" في ملابس الكتان، والقطنن والشعر، والوبر، فنوَّعها إلى أنواع شتى في دقَّتها ورقَّتها، وجمالها ونعومتها. ليعرِّفك من معاني اسمه"الستار" ما يجذب الأرواح إلى الغفار.
وكان متجلياً باسمه "الحفيظ" الواقي، في مساكن وأكواخ وخيام ومنازل، لم تكتمل بالنظام التام، فتجلى باسمه"الحفيظ" الواقي، في منازل محكمة، ومباني منظَّمة، مرتَّبة، منقوشة بالألوان، مزخرفة، تشرح صدر السكان.
تجلَّى باسمه "الباسط" فبسط لنا طرق السير، وذلَّل للسالك مصاعبها، ومتاعبها، فمهَّد لنا الطريق في أمان وسلام.
وكان يتجلَّى باسمه "الرزَّاق" في مظاهر الأرزاق، فنوَّعها ، وأبدع منها العجائب والغرائب، فمن ذلك أنواع الفواكه الكثيرة، والنباتات المتنوعة، حتى نشهد أنه "الظاهر" المتجلي في كل نفس بمعاني جديدة، وعلوم مفيدة.
ومن ذلك: تجلِّيه باسمه"القادر" "النافع" في المراكب الشراعية، فتجلَّى باسمه "المعين" فصيَّرها أساطيل بحرية. قال تعالى: {وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُون}(2) .
ومن ذلك: تجلِّيه بأنوار اسمه"القريب" فقرَّب لنا البعيد، وكان ذلك في مظاهر البريد، فتجلَّى بنور ها الاسم في التلغراف، والتليفون، والطائرة، فأصبح الذي في المشرق كأنه مع أهل المغرب.
ومن ذلك: تجلِّيه باسمه"الحفيظ"، "الشديد" في مظاهر السيف، والنشاب، والدرع، والسهم، على ظهر الخيل، فتجلَّى بنور اسمه:"الحفيظ" الشديد" في مظاهر المدافع، والدبابات، والمدرَّعات، والغوَّاصات.
وإنما ضربت لك هذه الأمثال لتأنس بظهور العلي المتعالي، وهكذا باقي الأسماء، تترقَّى مظاهرها بأمر مولاها وخالقها، فمتى شهدت عيون روحك الأسماء صارت الآثار هباء.
هذا عالم الأجسام ، أما عالم الأرواح فإنه في رقيٍّ دائم ، وظهور جديد بأمر رب العوالم، فكل تجلٍ لروحك فالذي بعده أرقى من الأول، فسبحان "الواسع" الذي لا يحول ولا يزول." اهـ111
اقتباس:====================== الحاشية =====================
(1) : قال تعالى:{وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ. وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِق ِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} سورة النحل – الآيات 5 - 8.
(2) : سورة يس – الآية 41.
( يتبع إن شاء الله تعالى مع تجلِّيات الأسماء الحسنى.... )
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات