عرض مشاركة واحدة
قديم 03-23-2011
  #4
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: المثنوي العربي النوري - قطرة

المثنوي العربي النوري - ص: 137
الباب الرابع
فى الله اكبر
هذا الباب قسمان: هذا القسم الاول بغاية الاجمال، والقسم الثاني فيه ايضاح تام.
القسم الاول
بسم الله الرحمن الرحيم
الله اكبر.. من كل شئ، اذ هو القدير على كل شئ، بقدرة لانهاية لها بوجه من الوجوه، تتساوى بالنسبة اليها الذراتُ والنجومُ والجزءُ والكلُ والفردُ والنوعُ بسرّ: (مَا خَلْقُكُمْ ولابَعْثُكُم إلاّ كَنَفسٍ واحِدَةٍ) 1.
نعم! ان الذرة والجزء والفرد ليست بأقل جزالةً من النجم والنوع والكل.
الله اكبر.. اذ هو العليم بكل شئ بعلمٍ لانهاية له بوجه من الوجوه لازمٍ 2 ذاتي للذات، فلايمكن ان ينفكَّ عنه شئ بسر الحضور.. وما في الكائنات من الحكمة العامة، والعناية التامة، والشعور المحيط، والاقضية المنتظمة، والاقدار المثمرة، والآجال المعينة، والارزاق المقنّنة، والرحمات المتنوعة، والاتقانات المفننة، والاهتمام المزين..
_____________________
1 لقمان : 28
2 كلزوم الضياء المحيط للشمس، ولله المثل الاعلى



المثنوي العربي النوري - ص: 138
شاهدات على احاطة علمه تعالى بكل شئ بسر:(ألا يَعلَمُ مَنْ خَلَق وهُو اللّطيفُ الخَبيرُ) 1 جل جلاله.
الله اكبر.. اذ هو المريد لكل شئ؛ اذ تردد الكائنات بين الامكانات الغير المحدودة، ثم تنظيمها بهذا النظام وموازنتها بهذا الميزان، وخلقُ المختلفات المنتظمة - كالشجر باوراقها وازهارها ثمراتها مثلاً - من البسيط الجامد.. شاهدات على عموم ارادته تعالى، ومستلزمة لـ: ماشاء كان وما لم يشأ لم يكن. جل جلاله..
الله اكبر.. ان قلت: لِمَ ومَن هو؟ قيل لك: اذ هو الشمس الازلي الذي هذه الكائنات ظلالُ انواره وتجليات اسمائه وآثار افعاله باتفاق اهل الشهود.
الله اكبر.. من كل شئ.. وان قلت: لِمَ ومَن هو؟ قيل لك: اذ هو السلطان الازلي الذي هذه العوالم بتمامها في تصرف قبضتي نظامه وميزانه جل جلاله..
الله اكبر.. ان قلت: لِمَ ومَن هو؟ قيل لك: اذ هو الحاكم الازلي الذي نظّم الكائنات بقوانين سنته، ودساتير قضائه وقَدَره، ونواميس مشيئته وحكمته، وجلوات عنايته ورحمته، وتجليات اسمائه وصفاته. وما القوانين والنواميس الاّ اسماءٌ لتجلي مجموع العلم والأمر والارادة على الانواع..
الله اكبر.. ان قلت: لِمَ ومَن هو؟ قيل لك: اذ هو الصانع الازلي الذي هذا العالمُ الكبير ابداعهُ وانشاؤه وصنعته، وهذا العالمُ الصغير ايجادهُ وبناؤه وصبغته.. وعلى جوانبهما بل على كل جزء من اجزائهما سكتُه..
الله اكبر.. ان قلت: لِمَ ومَن هو؟ قيل لك: اذ هو النقاش الازلي الذي هذه الكائناتُ خطوطُ قلمِ قضائه وقَدَره، ونقوشُ بركار 2 حكمته، وثمرات فياض 3 رحمته، وتزييناتُ يدِ بيضاء عنايته، وازاهيرُ لطائف كَرَمه، ولمعاتُ تجليات جماله..
تنبيه:
احكام هذه الابواب الثلاثة 4 تشربت براهينها تعرف بالدقة، في قيودها دلائل الاحكام.
_____________________
1 الملك : 14
2 بركار آلة هندسية معروفة لرسم الدوائر
3 الفيّاض : الكثير الماء.
4 اي: "سبحان الله والحمد لله والله اكبر".



المثنوي العربي النوري - ص: 139
الله اكبر.. ان قلت: مَن هو؟ قيل لك: اذ هو القدير الازلي الذي هذه الموجودات معجزات قدرته. تشهد تلك المعجزات على انه على كل شئ قدير. لم يخرج ولن يخرج عن حكم قدرته شئٌ تتساوى بالنسبة اليه الذراتُ والشموس..
الله اكبر.. إن قلتَ: مَن هو؟ قيل لك: اذ هو الخالق البارئ المصور له الاسماء الحسنى. الذي هذه الاجرام العلوية نيّرات براهين الوهيته وعظمته، وشعاعات شواهد ربوبيته وعزته جل جلاله..
الله اكبر.. ان قلت: مَن هو؟ قيل لك: اذ هو الخالق لكل شئ، اذ هو الرزاق لكل حي، وهو المنعم لكل النِعَم، وهو الرحمن في الدارين؛ مِن عظيمِ رحمتهِ سيدنا "محمد" عليه الصلاة والسلام، و"الجنة". وهو الرب لكل شئ، وهو المدبّر لكل شئ وهو المربي لكل شئ..
الله اكبر.. ان قلتَ: مَن هو؟ قيل لك: اذ هو المصور لكل شئ، وهو المتصرف في كل شئ، وهو النظّام لهذا العالم.
الله اكبر.. واعظم واجلّ مِن ان يحيط به الافكارُ والعقول، وارفعُ واعلى واجلّ وانزَه من أن يناله العجزُ والقصور..
الله اكبر من كل شئ؛ اي ما يكون لأجله اكبر، وأعلى، وأحسن، وأولى.. وما يكون به اعظم واجلّ..
***
تنبيه
هذه الكلمات المباركة التي تتكرّر بعد الصلوات؛ شاهَدتُ انها ليست تكراراً، بل تأسيسٌ - كما اشير اليه في الابواب - او تأكيد في تأسيس معانيها متساندةً لا متحدةً.
مثلاً: رميتَ حجراً في وسط حوضٍ كبير تقول للدائرة المتشكلة من وقوع الحجر: واسعة.. واسعة.. واسعة.. كلما تتلفظ بواسعة تتظاهر دائرةٌ اوسع. وكذا تأكيدٌ في المعنى، تأسيسٌ في المقاصد والثمرات.
***


المثنوي العربي النوري - ص: 140
ان قلت: ما معنى "الله اكبر" من كل شئ. ماقيمة "الممكن" حتى يقال: "الواجب" اكبر منه؟ اين (الخالقين.. والراحمين) غيرهُ تعالى حتى يُقال (احسنُ الخالقين) و (ارحم الراحمين)؟
قيل لك: اي: ماكان منه اكبرُ واعلى، وما كان له احسنُ وأولى، وما كان به اعظمُ واجلُّ. وهو في ذاته اكبرُ من كل ما يتصوره العقول.. وكذا لابد ان يكون اكبر في قلوبكم وأهم من كل مقاصدكم ومطالبكم.. وكذا اكبر واعظم من ان يستره ويحجبه حجاب الكائنات.
واما "احسن الخالقين"! اي: هو في ذاته احسنُ من الخالقين الذين في مرايا العقول بتجلي صفة الخالقية فيها، كالشمس في المرايا. يقال: الشمسُ في ذاتها انورُ من تماثيلها المنورين في المرايا.. وكذا احسنُ في مرتبة وجوبه من الخالقين الموهومين في فرض الاوهام.. وايضاً نظرنا الوهمي الظاهري لما يرى الاثار من الاسباب ويتوهم الخالقية، اي: هو احسنُ خالقاً بلا حجاب الاسباب، فلابد ان يُتَوَجّه اليه بالذات، ولا يُبالى بالاسباب الظاهرية.. وكذا ان نسبة المفاضلة تنظر الينا والى الاشياء التي تتعلق بنا، لافي نفس الامر، كما يُقال لنفرٍ في وظيفة جزئية: السلطانُ احسن واعظم. اي: مدخله في وظيفتك هذه أزيد؛ فلابد ان تلاحظه ازيد من سائر امرائك الظاهرية.
الله اكبر واجلّ من ان تحيط به الافكار والعقول.. وارفع وانزه من ان يناله العجز والقصور.. وهو الكامل المطلق في ذاته، وصفاته، وافعاله، جل جلاله..
***


المثنوي العربي النوري - ص: 141
الباب الرابع المفصل
فى مراتب
الله اكبر
القسم الثاني
[ سنذكر سبعاً من ثلاث وثلاثين مرتبة لهذا الباب، حيث قد ذُكر قسمٌ مهم من تلك المراتب في المقام الثاني من المكتوب العشرين، وفي نهاية الموقف الثاني من الكلمة الثانية والثلاثين، وبداية الموقف الثالث منها، فمن شاء ان يطلع على حقيقة هذه المراتب فليراجع تلك الرسائل].
المرتبة الاولى
بسم الله الرحمن الرحيم
(وَقُلِ الحَمْدُ لله الَّذي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدَاً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَريكٌ في المُلكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَليّ ٌ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرهُ تَكبيراً) 1 . لَبَيكَ وَسَعْدَيكَ جل جلاله. الله اكْبَرُ مِنْ كُلِّ شئٍ قُدرَة ً وَعِلماً، إذْ هُوَ الخَالِقُ البارىءُ المُصَوِّرُ الَّذي: صَنَعَ الانسَانَ بقُدرَتهِ

_____________________
1 الاسراء : 111



المثنوي العربي النوري - ص: 142
كالكَائِنَاتِ، وَكَتَبَ الكَائِنَاتِ بقَلَمِ قَدَرِهِ كَمَا كَتَبَ الانسَانَ بذَلِكَ القَلَمِ. إذْ ذاكَ العَالَمُ الكَبيرُ، كَهَذَا العَالَمِ الصغيرِ: مَصنُوعُ قُدرَتِهِ، مَكتُوبُ قَدَرِهِ. إبدَاعُهُ لِذَاكَ صَيَّرَهُ مَسْجداً، اِيجَادُهُ لهذا صَيَّرَهُ ساجِداً. إنْشَاؤُهُ لِذَاكَ صَيَّرَ ذاكَ مُلكاً، بِنَاؤُهُ لِهذا صَيَّرَهُ مَملُوكَاً. صَنْعَتُهُ في ذاكَ تَظَاهَرَتْ كِتَابَاً، صِبْغَتُهُ في هَذا تَزَاهَرَتْ خِطابَاً. قُدرَتُهُ في ذاكَ تُظهِرُ حِشمَتَهُ، رَحْمَتُهُ في هَذا تَنظِمُ نِعْمَتَهُ. حِشمَتُهُ في ذاكَ تَشْهَدُ هُوَ الوَاحِدُ. نِعْمَتُهُ في هَذا تُعلِنُ هُوَ الأحَدُ. سِكَّتُهُ في ذَاك في الكُلِّ وَالاَجْزَاءِ سُكونَاً حَرَكَةً. خاتَمُهُ في هَذا في الجِسمِ وَالاَعْضآءِ، حُجَيْرَة ً ذَرَّةً..
فَانْظُرْ إلى آثَارهِ المُتَّسِقَةِ كيفَ تَرى - كَالفَلَقِ - سَخَاوَةً مُطْلَقَةً مَعَ انْتِظَامٍ مُطْلَقٍ، في سُرْعَةٍ مُطْلَقَةٍ مَعَ اتِّزَانٍ مُطْلَقٍ، في سُهُولَةٍ مُطْلَقَةٍ مَعَ اتْقَانٍ مُطْلَقٍ، في وُسْعَةٍ مُطْلَقَةٍ مَعَ حُسْنِ صُنْعٍ مُطْلَقٍ، في بُعْدَةٍ مُطْلَقَةٍ مَعَ اتِّفَاقٍ مُطْلَقٍ، في خِلْطَةٍ مُطْلَقَةٍ مَعَ امْتِيَازٍ مُطْلَقٍ، في رُخْصَةٍ مُطْلَقَةٍ مَعَ غُلُوٍّ مُطْلَقٍ، فَهَذهِ الكَيْفِيَّةُ المَشْهُودَةُ شَاهِدَةٌ للعَاقِلِ المُحَقِّقِ، مُجْبِرَةٌ للاَحْمَقِ المُنَافِقِ، عَلى قَبُولِ الصَنْعَةِ وَالوَحْدَةِ للحَقِّ ذي القُدْرَةِ المُطْلَقَةِ وَهُوَ العَليِمُ المُطْلَقُ.
وَفي الوَحْدَةِ سُهُولَةٌ مُطْلَقَةٌ، وَفي الكَثْرَةِ وَالشِّرْكَةِ صُعُوبَةٌ مُنغَلِقَةٌ. إنْ اُسْنِدَ كُلُّ الاَشْيَاءِ للِوَاحِدِ؛ فَالكَائِنَاتُ كَالنَّخْلَةِ وَالنَّخْلَةُ كَالثَّمَرَةِ سُهُولَةً في الابْتِدَاعِ.. وَإنْ اُسْنِدَ للِكَثْرَةِ فَالنَّخْلةُ كَالكَائِنَاتِ وَالثَّمَرَةُ كَالشَّجَرَاتِ صُعُوبَةً في الامْتِنَاعِ؛ إذْ الوَاحِدُ بِالفَعْلِ الوَاحِدِ يُحَصِّلُ نَتِيجَة ً ووَضْعيِة ً للكَثيرِ بِلا كُلْفَةٍ ولا مُبَاشَرَةٍ؛ لَوْ اُحِيلَتْ تِلْكَ الوَضِْعيَّةُ وَالنَّتيجَةُ إلى الكَثرَةِ لا يُمْكنُ أنْ تَصِلَ إلَيهَا إلاّ بِتَكَلُّفَاتٍ وَمُبَاشَرَاتٍ وَمُشَاجَرَاتٍ، كَالاَمِيرِ مَعَ النَّفَرَاتِ وَالبَانِي مَعَ الحَجَراتِ وَالاَرضِ مَعَ السَّيَّارَاتِ والفَوَّارَةِ مَعَ القَطَرَاتِ وَنُقطَةِ المَرْكَزِ مَعَ النُّقَطِ في الدَّائِرَةِ:


المثنوي العربي النوري - ص: 143
بِسِرِّ: أنَّ في الوَحْدَةِ يَقُومُ الانتسَابُ مَقَامَ قُدْرَةٍ غَيْرِ مَحْدُودَةٍ. وَلا يُضْطَرُ السَّبَبُ لِحَمْلِ مَنَابعِ قُوَّتِهِ، وَيتعَاظَمُ الاَثَرُ بالنِّسْبَةِ إلى المُسْنَدِ إلَيهِ. وَفي الشِّرْكَةِ يُضْطَرُّ كُلُّ سَبَبٍ لِحَمْلِ مَنَابعِ قُوَّتِهِ، فَيَتَصاغَرُ الاَثَرُ بِنِسْبَةِ جِرْمِهِ. وَمِنْ هُنَا غَلَبَتِ النَّمْلَةُ وَالذُّبَابَةُ عَلى الجَبابِرَةِ، وَحَمَلَتِ النَّوَاةُ الصَّغِيرَةُ شَجَرَةً عَظِيمة.
وَبِسِرِّ: أنَّ في إسْنادِ كُلِّ الاشياءِ إلى الوَاحِدِ لايَكُونُ الايجَادُ مِنَ العَدَمِ المُطْلَقِ، بَلْ يَكُونُ الايجَادُ عَيْنَ نَقلِ المَوجُودِ العِلمِيِّ، إلى الوُجُودِ الخَارِجِيِّ. كَنَقْلِ الصُّورَةِ المُتَمَثِّلَةِ في المِرآةِ، إلى الصَّحيِفَةِ الفُوطُوغْرافِيَّةِ لِتَثْبِيتِ وُجُودٍ خَارِجِيٍّ لَهَا بِكَمالِ السُّهُولَةِ، أوْ إظهارِ الخَطِّ المَكتُوبِ بِمِدَادٍ لايُرى بِواسِطةِ مَادَةٍ مُظهِرَةٍ للِكِتَابَةِ المَسْتُورَةِ.. وَفي إسْنَادِ الاَشْيَاءِ إلى الاَسْبَابِ وَالكَثْرَةِ يَلْزَمُ الايجَادُ مِنَ العَدَمِ المُطْلَق؛ِ وَهُوَ إنْ لَمْ يَكُنْ مُحَالاً يَكُونُ أصْعَبَ الاشْيَاءِ! فَالسُهُولَةُ في الوَحْدَةِ واصِلَةٌ الى دَرَجَةِ الوُجوبِ، وَالصُعُوبَةُ في الكَثْرَةِ وَاصِلَةٌ الى دَرَجَةِ الامتِنَاعِ.. وَبِحِكْمَةِ أنَّ في الوَحدَةِ يُمْكِنُ الابْدَاعُ وَايجَادُ "الاَيْس مِنَ اللَّيْس" يَعْني إبْدَاعَ المَوْجُودِ مِنَ العَدَمِ الصِّرْفِ بِلا مُدَّةٍ وَلا مَادَّةٍ، وَإفراغَ الذَّرَّاتِ في القَالَبِ العِلْمِيِّ بلا كُلْفَةٍ وَلا خِلْطَةٍ.. وَفي الشِّرْكَةِ وَالكَثْرَةِ لايُمْكِنُ الإبْدَاعُ مِنَ العَدَمِ بِاتِّفَاقِ كُلِّ أهلِ العَقْلِ. فَلا بُدَّ لِوُجودِ ذي حَيَاةٍ جَمْعُ ذَرَّاتٍ مُنْتَشِرَةٍ في الارضِ وَالعَناصِرِ، وَبِعَدَمِ القَالَبِ العِلْميِّ يَلْزَمُ لِمُحَافَظَةِ الذَّرَاتِ في جِسْمِ ذي الحيَاةِ وُجُودُ عِلْمٍ كُلِّي وَإرادَةٍ مُطْلَقَةٍ في كُلِّ ذَرَّةٍ. وَمَعَ ذلِكَ إنَّ الشُّركاءَ مُسْتَغْنيةٌ عَنْهَا وَممْتَنِعَةٌ بالذَّاتِ بخَمسَة وجوهٍ متداخلة، والشُركاء المُستَغنيةُ عنها والمُمتَنِعَةُ بالذات تَحَكُّمِيَّةٌ مَحْضَةٌ، لاأمارَةَ عَلَيْها وَلاإشَارَةَ إلَيْهَا في شَيءٍ مِنَ المَوْجُودَاتِ، إذ خِلْقَةُ السَّموَاتِ وَالأرضِ تَسْتَلْزِمُ قُدْرَة ً كَامِلَةً غَيْرَ مُتَناهِيَةٍ بالضَّرُورَةِ، فَاسْتُغْني عَنِ الشُّرَكَاءِ.. وَإلاّ لَزِمَ تَحْديدُ وَانْتِهَاءُ قُدْرَةٍ كَامِلَةٍ غَيْرِ مُتَنَاهِيَةٍ في وَقْتِ عَدَمِ التَّناهِي بِقُوَّةٍ مُتَنَاهِيَةٍ، بِلا ضَرَورَةٍ، مَعَ الضَّرُورَةِ في عَكْسِهِ. وَهُوَ مُحَالٌ في


المثنوي العربي النوري - ص: 144
خَمْسَةِ أوْجُهٍ: فَامْتَنَعَتِ الشُّرَكَاءُ، مَعَ أنَّ الشُّرَكَاءَ المُمتَنِعَةَ بِتِلكَ الوُجوُهِ لا إشَارَةَ إلى وُجودِها، وَلاأمارَةَ عَلى تَحققهَا في شىءٍ مِنَ المَوجُودَاتِ.
فَقَدِ استَفسَرنا هذِهِ المَسْألَةَ في المَوقِفِ الاَوَّلِ مِنَ الرِّسالَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّلاثِينَ: مِنَ الذَّرَّاتِ إلى السَّيَّارَاتِ، وَفِي المَوْقِفِ الثَّاني: مِنَ السَّمَواتِ إلى التَّشَخُّصَاتِ الوَجْهِيَّةِ، فَاعْطَتْ جَمِيعُها جَوَابَ رَدِّ الشِّرْكِ بِإراءة سِكَّةِ التَّوْحِيدِ.
فَكَمَا لا شُرَكَاءَ لَهُ. كَذَلِكَ لامُعِينَ وَلا وُزَراءَ لَهُ. وَمَا الاسْبَابُ إلاّ حِجَابٌ رَقِيقٌ عَلى تَصَرُّفِ القُدْرَةِ الاَزَلِيَّةِ لَيْسَ لَهَا تَأثِيرٌ إيجادِيٌ في نَفسِ الأمرِ؛ إذْ أشْرَفُ الاسْبَابِ وَاوْسَعُها اِختِيَاراً هُوَ الانسَانُ، مَعَ أنَّهُ لَيسَ في يَدِهِ مِنْ أظْهَرِ أفْعَالهِ الاختِيَاريَةِ - كَالاَكْلِ وَالكَلامِ وَالفِكْرِ - مِنْ مِئَاتِ أجْزاءٍ إلاّ جُزْءٌ وَاحِدٌ مَشْكُوكٌ. فَإذَا كَانَ السَّبَبُ الاَشْرَفُ وَالاَوْسَعُ اختِيَاراً مَغْلُولَ الاَيْدي عَنِ التَّصَرُّفِ الحَقيِقيِّ كَمَا تَرى، فَكَيفَ يُمْكِنُ أنَ تَكُونَ البَهِيماتُ والجَمَاداتُ شَرِيكاً في الايجَادِ وَالرُّبُوبِيَّةِ لخَالِقِ الأرضِ وَالسَّمَواتِ؟ فَكَمَا لا يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ الظَّرْفُ الَّذي وَضَعَ السُّلطَانُ فيهِ الهَدِيَّةَ، أو المَندِيلُ الَّذي لَفَّ فيهِ العَطيَّةَ، أوِ النَّفَرُ الَّذي أرسَلَ عَلى يَدِهِ النِّعْمَةَ إليكَ؛ شُرَكَاءَ للِسُلْطَانِ في سَلْطَنَتِهِ.. كَذَلِكَ لا يُمْكِنُ أنْ تَكُونَ الاسْبَابُ المُرْسَلَةُ عَلى أيْديِهمُ النِّعَمُ إلينَا، وَالظُرُوفُ الَّتي هِيَ صَنَادِيقُ للِنِّعَمِ المُدَّخَّرَةِ لَنَا، والاسْبَابُ الَّتي التَفَّتْ عَلى عَطَايَا إلَهِيَّةٍ مُهْداةٍ إلَينَا؛ شُرَكَاءَ أعْواناً أو وَسَائِطَ مُؤَثِّرَة.
المرتبة الثانية
الله أكبَرُ مِنْ كُلِّ شَيءٍ قُدْرَة ً وَعِلْمَاً، إذْ هُوَ الخَلاّقُ العَلِيمُ الصَّانِعُ الحَكِيمُ الرَّحمنُ الرَّحِيمُ الَّذي: هذِهِ المَوجُودَاتُ الأرضِيَّةُ وَالاجْرَامُ العُلوِيَّةُ في بُسْتَانِ الكَائِنَاتِ،


المثنوي العربي النوري - ص: 145
مُعجِزَاتُ قُدْرَةِ خَلاّقٍ عَليِمٍ بِالبَدَاهَةِ. وَهَذهِ النَبَاتَاتُ المُتَلَونَة المُتَزَيِّنَةُ المَنْثُورةُ، وَهَذِهِ الحَيْوَانَاتُ المُتَنَوِّعَةُ المُتَبَرِّجَةُ المَنْشُورَةُ في حَدِيقَةِ الأرضِ، خَوَارِقُ صَنْعَةِ صانِع ٍ حَكِيم ٍ بِالضَّرُورَةِ. وَهَذهِ الاَزْهَارُ المُتَبَسِّمَةُ وَالاَثْمَارُ المُتَزَيِّنَةُ في جِنَانِ هذِهِ الحَديقَةِ هَدَايَا رَحْمَةِ رَحْمن رَحيِم ٍبالمُشَاهَدَةِ.. تَشْهَدُ هاتِيكَ، وَتُنَادي تَاكَ، وتُعْلِنُ هذِهِ: بِأَنَّ خَلاَّقَ هَاتيكَ، وَمُصَوِّرَ تَاكَ، وَوَاهِبَ هذِهِ عَلى كُلِّ شئٍ قَدير، وَبِكُلِّ شئٍ عَليم، قَد وَسِعَ كُلَّ شَىءٍ رَحْمَةً وَعِلمَاً، تتَسَاوى بِالنِّسْبَةِ إلى قُدْرَتِهِ الذَّرَّاتُ وَالنُّجُومُ وَالقَليلُ وَالكَثيرُ والصَغيرُ وَالكَبيرُ وَالمُتَنَاهِي وَغَيرُ المُتَنَاهِي، وَكُلُّ الوُقُوعَاتِ المَاضِيَةِ وَغَرَائِبها مُعْجِزَاتُ صَنْعَةِ صانِعٍ حَكيمٍ، تَشْهَدُ: أنَّ ذَلِكَ الصَّانِعَ قَديرٌ عَلى كُلِّ الامْكَانَاتِ الاسْتِقْبَالِيَّةِ وَعَجائِبِها، إذ هُوَ الخَلاّقُ العَليمُ وَالعَزيزُ الحَكيِمُ.
فَسُبْحانَ مَنْ جَعَلَ حَديقَةَ أرضِهِ مَشْهَرَ صَنْعَتِهِ، مَحْشرَ فِطْرَتِهِ، مَظْهَرَ قُدرَتِهِ، مَدَارَ حِكْمَتِهِ، مَزْهَرَ رَحْمَتِهِ، مَزْرَعَ جَنَّتِهِ، مَمَرَّ المَخْلُوقَاتِ، مَسِيلَ المَوجُودَاتِ، مَكيْلَ المَصْنُوعَاتِ.
فَمُزَيَّنُ الحَيْوانَاتِ، مُنَقَّشُ الطُّيورات، مُثَمَّرُ الشَّجَرات، مُزَهََّرُ النَبَاتات؛ مُعْجِزَاتُ عِلمِهِ، خَوَارِقُ صُنْعِهِ، هَدايَا جُودِهِ، بَراهِينُ لُطْفِهِ.
تَبَسُّمُ الأزهَارِ مِنْ زينَةِ الاثْمَارِ، تَسَجُّعُ الاطيَارِ في نَسْمَةِ الاسْحَارِ، تَهَزُّجُ الامطارِ عَلى خُدُودِ الازهَارِ، تَرَحُّمُ الوالِدَاتِ عَلى الاَطفَالِ الصِّغَارِ، تَعَرُّفُ وَدُودٍ، تَوَدُّدِ رَحمن، تَرَحُّمُ حَنَّانٍ، تَحَنُّنُ مَنَّانٍ، للِجِنِّ وَالانسَانِ، وَالرُّوحِ وَالحَيوَانِ وَالمَلَكِ وَالجانِّ. وَالبُذُورُ وَالاثْمَارُ، والحُبُوبُ وَالازهَارُ مُعجِزَاتُ الحِكمَةِ.. خَوَارِقُ الصَّنْعَةِ.. هَدَايا الرَّحْمَةِ.. بَرَاهينُ الوَحْدَةِ.. شَوَاهِدُ لُطْفِهِ في دارِ الآخِرَةِ... شَوَاهِدُ صَادِقَةٌ بأنَّ خَلاَّقَهَا عَلى كُلِّ شئٍ قَديرٌ وَبِكُلِّ شئٍ عَلِيمٌ. قَدْ وَسِعَ كُلَّ شئٍ بِالرَّحْمَةِ وَالعِلْمِ وَالخَلْقِ وَالتَّدْبيرِ وَالصُّنْعِ وَالتَّصْوِيرِ. فَالشَّمسُ كَالبَذرَةِ، وَالنَّجْمُ كَالزَّهْرَةِ، وَالاَرضُ كَالحَبَّةِ، لاتَثْقُلُ عَلَيهِ بِالخَلْقِ وَالتَّدْبيرِ، وَالصُّنعِ وَالتَّصْويرِ. فَالبُذُورُ وَالاَثْمَارُ مَرَايا الوَحْدَةِ في


المثنوي العربي النوري - ص: 146
اَقْطَارِ الكَثْرَةِ، إشَاراتُ القَدَرِ، رُمُوزَاتُ القُدْرَةِ؛ بِأنَّ تِلكَ الكَثْرَةِ مِنْ مَنْبَعِ الوَحْدَةِ، تَصْدُرُ شَاهِدَةً لِوَحْدَةِ الفَاطِرِ في الصُّنْعِ وَالتَصْويرِ. ثُمَّ إلى الوَحْدَةِ تَنْتَهي ذَاكِرَةً لِحِكمَةِ الصَّانِعِ في الخَلْقِ وَالتَّدْبيِرِ.. وَتَلْوِيحاتُ الحِكْمَةِ بأنَّ خَالِقَ الكُلِّ - بِكُلِّيَّةِ النَّظَرِ إلى الجُزْئيِّ - يَنْظُر ثمَّ إلى جُزْئِهِ، إذْ إنْ كانَ ثَمراً فَهُو المَقْصُودُ الاظهَرُ مِنْ خَلقِ هَذا الشَّجَرِ. فَالبَشَرُ ثَمَرٌ لِهَذِهِ الكَائِنَاتِ، فَهُوَ المَقْصُودُ الاَظْهَرُ لِخَالِقِ المَوْجُودَاتِ. والقَلبُ كَالنُّوَاةِ، فَهُوَ المِرآةُ الأنْوَرُ لِصَانِعِ المَخْلُوقَاتِ، ومِنْ هذِهِ الحِكْمَةِ فَالانسَانُ الاَصْغَرُ في هذِهِ الكَائِناتِِ هُوَ المَدَارُ الاَظْهَرُ للنَّشْرِ وَالمحَشْرِ في هذِهِ المَوجُوداتِ، وَالتَّخْريبِ والتَّبْديلِ وَالتَّحويلِ وَالتَّجْديدِ لِهَذِهِ الكَائِناتِ.
الله أكبَرُ: يَا كَبيرُ أنتَ الَّذي لاتَهدِي العُقُولُ لِكُنْهِ عَظَمَتِهِ..
كه (لا اله الاّ هو برابر مي زند هر شئ، دمادم جويد: ياحق، سراسر كويد: ياحى) 1
المرتبة الثالثة 2
ايضاحها في رأس "الموقف الثالث من الرسالة الثانية والثلاثين".
الله أكبرُ مِنْ كُلِّ شئٍ قُدْرَةً وَعِلماً، إذْ هُوَ القَديرُ المُقَدِّرُ العَلِيمُ الحَكيِمُ المُصَوِّرُ الكَرِيمُ اللَّطِيفُ المُزَيِّنُ المُنْعِمُ الوَدُودُ المُتَعَرِّفُ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ المُتَحَنِّنُ الجَمِيلُ ذُو الجَمَالِ وَالكَمَالِ المُطْلَقِ، النَّقَّاشُ الاَزَليُّ الَّذي: ما حَقَائِقُ هَذِهِ الكَائِناتِ كُلاً وَأجزَاءً،

_____________________
1 [[الذي لا إله إلاّ هُو يقابل كلّ شئ.. دائماً يطلبونَ الحق، وابداً يقولون: ياحيّ]].
2 [ هذه المرتبة الثالثة تأخذ بعين الاعتبار زهرة جزئية وحسناء جميلة ، فالربيع الزاهر كتلك الزهرة والجنة العظيمة مثلها؛ اذ هما مظهران من مظاهر تلك المرتبة ، كما ان العالم انسان جميل وعظيم، وكذا الحور العين والروحانيات وجنس الحيوان وصنف الانسان.. كل منها كأنه في هيئة انسان جميل يعكس صفحاته هذه الاسماء التي تعكسها هذه المرتبة ] . المؤلف.




المثنوي العربي النوري - ص: 147
وَصَحَائِفَ وَطَبَقاتٍ، وَما حَقائِقُ هذِهِ المَوجُودَاتِ كُلّياً وَجُزئِياً وُجُوداً وَبَقاءً.. إلاّ خُطُوطُ قَلَمِ قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ بِتَنْظِيمٍ وَتَقدِيرٍ وَعِلْمٍ وَحِكْمَةٍ.. وَإلاّ نُقُوشُ بَركَارِ عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ بِصُنْعٍ وَتَصويرٍ.. وَإلاّ تَزْييناتُ يَدِ بَيْضاءِ صُنْعِهِ وَتَصويِرِهِ وَتَزْيينهِ وَتَنْوِيرِهِ بِلُطْفٍ وَكَرَم.. وَإلاّ أزاهيرُ لَطائِفِ لُطْفِهِ وَكَرَمِهِ وتِعِرُّفِهِ وَتَوَدُّدِهِ بِرَحْمَةٍ وَنِعْمَةٍ.. وَإلاّ ثَمَرَاتُ فَيَّاضِ عَيْنِ رَحْمَتِهِ وَنِعْمَتِهِ وَتَرَحُّمِهِ وَتَحَنُّنِهِ بِجَمَالٍ وَكَمالٍ.. وَإلاّ لَمَعَاتُ جَمالٍ سَرْمَديٍّ وَكَمالٍ دَيْمُومِيٍّ بِشَهَادَةِ تَفانِيَّةِ المَرايا وَسَيَّالِيَّةِ المَظاهِرِ، مَعَ دوامِ تَجَلي الجَمَالِ عَلى مَرِّ الفُصُولِ وَالعُصُورِ وَالادْوَارِ، وَمَعَ دَوَامِ الاِنْعَامِ عَلى مَرِّ الاَنَامِ وَالاَيَّامِ وَالاَعْوَامِ.
نَعَم! تَفَاني المِرْآةِ، زَوَالُ المَوجُودَاتِ مَعَ التَّجَلِّي الدَّائِم ِمَعَ الفَيضِ المُلازِمِ، مِنْ أظْهَرِ الظَّوَاهِرِ مِنْ أبْهَرِ البَوَاهِرِ أنَّ الجَمالَ الظَّاهِرَ، أنَّ الكَمالَ الزَّاهِرَ ليسَا مُلْكَ المَظَاهِرِ، مِنْ أفصَحِ تِبيانٍ مِنْ أوضَحِ بُرْهَانٍ للِجَمَالِ المُجَرَّدِ للاِحسانِ المُجَدَّدِ، للواجِبِ الوُجُودِ للِبَاقي الوَدُودِ.
نَعَم! فَاْلاَثَرُ المُكَمَّلُ، يَدُلُّ بالبَدَاهَةِ عَلى الفِعْلِ المُكَمَّلِ. ثُمَّ الفِعْلُ المُكَمَّلُ يَدُلُّ بِالضَّرُورَةِ عَلى الاسمِ المُكَمِّلِ، وَالفَاعِلِ المُكَمَّلُ. ثم الاسم المُكَمّلُ يَدُلُّ بِلا رَيبٍ عَلى الوَصفِ المُكَمَّلِ. ثُمَّ الوَصفُ المُكَمَّلُ يَدُلُّ بِلا شَكٍ عَلى الشَّأنِ المُكَمَّلِ. ثُمَّ الشَّأنُ المُكمَّلُ يَدُلُّ بِاليَقينِ عَلى كَمالِ الذَّاتِ بِمَا يَليقُ بِالذَاتِ، وَهُوَ الحَقُّ اليَقينُ...


المثنوي العربي النوري - ص: 148
المرتبة الرابعة
جَلَّ جَلالُهُ الله أكبَرُ؛ إذْ هُوَ العَدلُ العَادِلُ الحَكَمُ الحَاكِمُ الحَكِيمُ الأزَليُّ الَّذي: أسَّسَ بُنْيَانَ شَجَرَةِ هذِهِ الكَائِنَاتِ في سِتَةِ أيَّامٍ بِاُصُولِ مَشِيئَتِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَفَصَّلَها بِدَساتِيرِ قَضائِهِ وَقَدَرِهِ، وَنَظَّمَها بِقَوَانينَ عادَتِهِ وَسُنَّتِهِ، وَزَيَّنَها بِنَواميسِ عِنَايَتِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَنَوَّرَهَا بِجَلَواتِ أسْمآئِهِ وَصِفَاتِهِ: بِشَهَادَاتِ إنْتِظامَاتِ مَصنُوعَاتِهِ، وَتَزَيُّنَاتِ مَوجُودَاتِهِ وَتَشابُهِها وَتنَاسُبِها وَتَجَاوُبها وَتَعاوُنِها وَتَعانُقِها، وَاتْقانِ الصَّنعَةِ الشُّعُوريَّةِ في كُلِّ شَئٍ، عَلى مِقْدَارِ قَامَةِ قابِليَّتِهِ المُقَدَّرَةِ بِتَقْدِيرِ القَدَرِ.
فَالحِكمَةُ العَامَّةُ في تَنْظيماتِها، وَالعِنَايَةُ التَّامَّةُ في تَزيِيِنَاتِها، وَالرَّحمَةُ الوَاسِعَةُ في تَلطيفاتِها، وَالاَرزَاقُ وَالاعَاشَةُ الشَّامِلَةُ في تَربِيَتِها، والحَيَاةُ العَجيبَةُ الصَّنعَةِ بِمَظْهَرِيَّتِها للِشُؤنِ الذَّاتِيَّةِ لِفَاطِرِها، وَالمَحَاسِنُ القَصْدِيَّةُ في تَحْسينَاتِهَا، وَدَوَامُ تَجَلِّي الجَمَالِ المُنْعَكِسِ مَعَ زَوالِهَا، وَالعِشْقُ الصَّادِقُ في قَلْبِها لِمَعبُودِهَا، وَالاِنْجِذَابُ الظَّاهِرُ في جَذبَتِها، وَاتِّفاقُ كُلِّ كُمَّلِهَا عَلى وَحْدَةِ فاطِرها، وَالتَصَرُّفُ لِمَصالِحَ في أجزائِها، وَالتَّدْبيرُ الحَكيمُ لِنَباتاتِها، وَالتَّربِيَةُ الكَريمَةُ لِحَيواناتِهَا، والاِنتِظامُ المُكَمَّلُ في تَغيُّراتِ أركَانِها، وَالغاياتُ الجَسيمةُ في انتِظامِ كُلِّيتِها، وَالحُدُوثُ دَفْعَةً مَعَ غايَةِ كَمَالِ حُسنِ صَنْعَتِها، بِلااحتِياج ٍ إلى مُدَّةٍ ومَادَّةٍ، وَالتَّشَخُّصاتُ الحَكِيمَةُ مَعَ عَدَم ِتَحْديدِ تَرَدُّدِ إمْكاناتِها، وَقَضاءُ حاجاتِها عَلى غَايَةِ كَثْرَتِها وَتَنَوُّعِها في أوقَاتِها اللاَّئِقةِ المُنَاسِبَةِ - مِنْ حَيثُ لايَحتَسِبُ وَمِنْ حَيثُ لايَشْعُرُ - مَعَ قصرِ اَيْدِيها مِنْ أصغَرِ مَطالِبِها، وَالقُوَّةُ المُطلَقَةُ في مَعْدَنِ ضَعْفِهَا، وَالقُدْرَةُ المُطلَقَةُ في مَنبَعِ عَجزِها، وَالحَياةُ الظَاهِرَةُ في جُمُودِها، وَالشعُورُ المُحيطُ في جَهْلِها، وَالانتِظامُ المُكَمَّلُ في تَغَيُّراتِها المُسْتَلزِمُ لِوُجُودِ المُغَيِّرِ الغَيرِ المُتَغَيِّر. وَالاتِّفاقُ في تَسْبِيحَاتِها - كَالدَوّائِرِ المُتَدَاخِلَةِ المُتَّحِدَةِ المَرْكَزِ - وَالمَقْبُولِيَّةُ في دَعَوَاتِها الثَّلاثِ: بِلسانِ إستِعدادها وبِلسانِ إحتِيَاجَاتِها الفِطريَّةِ وبِلسانِ اضطِرارِها، وَالمُناجاتُ وَالشُّهوداتُ وَالفُيُوضاتُ في عِباداتِهَا، وَالاِنتِظامُ في قَدَرَيها،


المثنوي العربي النوري - ص: 149
وَالاِطْمِئنَانُ بِذِكرِ فاطِرِها، وَكَونُ العِبادَةِ فيها خَيْطَ الوُصْلَةِ بَينَ مُنْتَهاها وَمَبْدَئها، وسَببَ ظُهُورِ كَمَالِها، وَلِتَحَقُّقِ مَقَاصِدِ صانِعِها وَهكَذا. بِسائِرِ شُئُوناتِها وَاحْوَالِها وَكَيفِيَّاتِها.. شاهِداتٌ بِاَنَّها كُلَّها بِتَدبيِرِ مُدَبِّرٍ حَكيم واحِدٍ، وَفي تَربِيَةِ مُرَبٍ كَريم اَحَدٍ صَمَدٍ، وَكُلُّهَا خُدَّامُ سَيِّدٍ واحدٍ، وتَحتَ تَصَرُّفٍ متصرِّف واحدٍ وَمَصدَرُهُمْ قُدْرَةُ واحِدٍ، الَّذي تَظاهَرتْ وَتَكاثَرَتْ خَواتِيمُ وَحْدَتِهِ عَلى كُلِّ مَكتُوبٍ مِنْ مَكتُوبَاتِهِ في كُلِّ صَفحَةٍ مِنْ صَفَحَاتِ مَوجُودَاتِهِ.
نَعَمْ، فَكُلُّ زَهرَةٍ وَثَمَرٍ، وَكُلُّ نَبَاتٍ وَشَجَرٍ، بَل كُلُّ حَيوانٍ وَحَجَرٍ، بَل كُلُّ ذَرّ ٍ وَمَدَرٍ، في كُلِّ وادٍ وَجَبَلٍ، وكُلِّ بادٍ َوقَفَرٍٍ.. خاتَمٌ بَيِّنُ النَّقشِ وَالأثَر، يُظْهِرُ لِدِقَّةِ النَّظرِ بِأنَّ ذا ذاكَ الأثر هُوَ كاتِبُ ذاكَ المَكانِ بِالعِبَرِ، فَهُوَ كاتِبُ ظَهْرِ البَرِّ وَبَطْنِ البَحْرِ، فَهُوَ نَقَّاشُ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ في صَحيفةِ السَّموَاتِ ذاتِ العِبَرِ جَلَّ جَلالُ نَقَّاشِها الله أكْبَرُ .
كه لا اله الاّ هو برابر مى زند عالم 1
المرتبة الخامسة 2
الله أكبَرُ؛ إذْ هُوَ الخَلاّقُ القَديرُ المُصَوِّرُ البَصيرُ الَّذي هذِهِ الأجرَامُ العُلويَّةُ والكَواكِبُ الدُّرِّيَّةُ نَيِّراتُ بَراهينِ اُلُوهيَّتِهِ وَعَظَمَتِهِ، وَشُعاعاتُ شَوَاهِدِ رُبُوبِيَّتِهِ وَعِزَّتِهِ، تَشْهَدُ وَتُنادي عَلى شَعْشَعَةِ سَلْطَنةِ رُبُوبِيَّتِهِ، وَتُنَادي عَلى وُسْعَةِ حُكْمِهِ وَحِكْمَتِهِ، وعَلى حِشمَةِ عَظَمَةِ قُدْرَتِهِ.
فَاسْتَمِعْ إلى آيةِ
(اَفَلَمْ يَنْظُرُوا إلى السَّمآءِ فَوقَهُمْ كَيْفَ بَنَينَاهَا وَزَيَّنَّاها ..) 3 الخ.. ثُمَّ انظُرْ إلى وَجْهِ السَّمآءِ: كيفَ تَرى سُكُوتاً في سُكُونَة، حَرَكَةً في حِكْمَةٍ،
_____________________
1 [[حيث ان (لا إله إلاّ هو) اعظم من العالم ]].
2 [ لقد وضحت هذه المرتبة في ذيل الموقف الاول من الكلمة الثانية والثلاثين وفي المقام الثاني من المكتوب العشرين ] المؤلف.
3 سورة ق : 6



عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس