عرض مشاركة واحدة
قديم 05-31-2009
  #2
أبو يوسف
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 518
معدل تقييم المستوى: 16
أبو يوسف is on a distinguished road
افتراضي رد: الإمام تقي الدين السبكي


( شيوخه وتلامذته )
وتفقه في صغره على والده رحمه الله تعالى، ثم على جماعة آخرهم فقيه العصر نجم الدين
بن الرفعة، ورأيته رحمه الله يثني عليه ثناء كثيراً، ويعظمه تعظيماً زائداً.
وقرأ الفرائض على الشيخ عبد الله الغماري المالكي.
وقرأ الأصلين وسائر المعقولات على الشيخ الإمام النظار علاء الدين الباجي، وكان يعظمه
ويصفع بالدين.
وقرأ المنطق والخلاف على الشيخ سيف الدين البغدادي.
وقرأ النحو على الشيخ أثير الدين أبي حيان.
وقرأ التفسير على الشيخ علم الدين العراقي.
وقرأ القراءات على الشيخ تقي الدين بن الصائغ.
وتخرج في الحديث على الحافظ شرف الدين الدمياطي.
وصحب في التصوف الشيخ تاج الدين.
ورحل في طلب الحديث إلى الإسكندرية والشام، ومن مشاهير أشياخه في الرواية ابن
الصواف، وابن جماعة، والدمياطي، وابن القيم، وابن عبد المنعم، وزينب، وهؤلاء
بالإسكندرية وبمصر. والذين بالشام: ابن الموازيني، وابن مشرف، والمطعم، وغيرهم.
والذين بالحجاز: رضي الدين إمام المقام وغيره.
وخرج له شهاب الدين الدمياطي معجماً لشيوخه.
جلس بالكلاسة جوار الجامع الأموي بدمشق، وحدث به قراءة عليه الإمام أقضى القضاة
تقي الدين أبو الفتح السبكي، وسمعه عليه خلائق منهم الحافظ الكبير جمال الدين المزي،
والحافظ أبو عبد الله الذهبي، وروى عنه شيخنا الذهبي في معجمه.
وتولى بدمشق مع القضاء خطابة الجامع الأموي وباشرها مدة، وذلك في سنة اثنتين
وأربعين وسبع مئة، فقال شيخنا الحافظ شمس الدين الذهبي: ما صعد هذا المنبر بعد ابن
عبد السلام أعظم منه ونظم في ذلك:


ليهن المنبر الأموي لما *** علاه الحاكم ابر التقي
شيوخ العصر أحفظهم جميعاً *** وأخطبهم وأقضاهم علي


وتولى بعد وفاة شيخنا المزي رحمه الله تعالى مشيخة دار الحديث الأشرفية. فالذي نقول:
إنه ما دخلها أعلم منه، ولا أحفظ في الرجال من المزي، ولا أورع من النووي وابن الصلاح،
ولا يورد زين الدين الفارقي فإنه أفقه منه رحم الله كلاً.
وتولى تدريس الشامية البرانية بعد موت مدرسها قاضي القضاة شمس الدين بن النقيب
رحمه الله في أوائل سنة ست وأربعين وسبع مئة.
ثم إنه ولي تدريس المسرورية بعد الشيخ تاج الدين المراكشي، وكتبت له توقيعاً بذلك هو
في الجز الثاني من التذكرة التي لي.
وكان قد طلب في نهار الجمعة بعد الصلاة سادس عشري جمادى الأولى سنة ثلاث
وأربعين وسبع مئة إلى الديار المصرية، جاء البريد بطلبه ليجعل قاضي القضاة بالديار
المصرية، فتوجه. ثم إن القضية فترت، وأقام بها قليلاً وعاد إلى دمشق على منصبه.


ومن مسموعاته الحديثية:
الكتب الستة، والسيرة النبوية، وسنن الدار قطني، ومعجم الطبراني، وحلية الأولياء،
ومسند الطيالسي، ومسند الحارث بن أبي أسامة، ومسند الدارمي، ومسند عبد،
ومسند العدني، ومسند الشافعي رضي الله عنه، وسنن الشافعي، واختلاف الحديث
للشافعي، ورسالة الشافعي، ومعجم ابن المقرئ، ومختصر مسلم، ومسند أبي والشفاء
للقاضي عياض، ورسالة القشيري، ومعجم الإسماعيلي، والسيرة للدمياطي، وموطأ يحيى
بن يحيى، وموطأ القعنبي. وموطأ ابن بكير، والناسخ والمنسوخ للحازمي، وأسباب النزول للواحدي، وأكثر مسند
أحمد، ومن الأجزاء شيء كثير.

ولقد كان عمره بالديار المصرية وجيهاً في الدولة الناصرية يعرفه السلطان الأعظم الملك
الناصر ويوليه المناصب الكبار، مثل إدريس المنصورية وجامع الحاكم والكهارية. والأمير
سيف الدين أرغون النائب يعظمه، والقاضي كريم الدين الكبير يقربه ويقضي أشغاله،
والأمير سيف الدين قجليس، وأما الأمير سيف الدين ألجاي الدوادار فكان لا يفارقه
ويبيت عنده في القلعة غالب الليالي، ونائب الكرك والأمير بدر الدين جنكلي بن البابا
والجاولي والخطيري وغيرهم جميعهم يعظمونه ويحترمونه ويشفع عندهم ويقضي الأشغال
للناس.
( ورعه )
وجاء إلى الشام قاضي القضاة من سنة تسع وثلاثين إلى بعض سنة ست وخمسين هذه
المدة كلها، وجاء في أيامه الطاعون فلو شاء هو وولده أقضى القضاة جمال الدين حسين
أخذا في إثبات الوصايا ودعاوى القرابات وما يرث الناس بأسبابه ثلاث مئة ألف دينار
وأضعافها، وكان ينفرد هو رحمه الله تعلى بولايات الوظائف بنصف ذلك، ولم يقدر أحد
يقول إنه وزن ديناراً ولا درهماً ولا أقل ولا أكثر. وأما لبسه الذي يكون عليه في غير دور
العدل والمحافل فيما أظنه كان يساوي ثلاثين درهماً.
وإن كان في لبس الفتى شرف له *** فما السيف إلا غمده والحمائل
وبعد هذا جميعه يموت فيوجد عليه دين مبلغ اثنين وثلاثين ألف درهم، ولو لم يكن له
داران بمصر اشترى الواحدة، وورث الأخرى مع مجلداته التي قناها في عمره، أبيع الجميع
فكمل ثلثي الدين، والتزم ولداه مد الله في عمرهما بوفاء البقية، هكذا هكذا وإلا فلا لا.
ينسب إلى الشافعي أنه قال: من ولي القضاء ولم يفتقر فهو لص، قدس الله روحه، ونور
ضريحه،.
( من علومه )
والذي استقر في ذهني منه أنه كان إذا أخذ أي مسألة كانت من أي باب كان، من
أي علم كان عمل عليها مجلداً أو مصنفاً لطيفاً، أعني في علوم الإسلام من الفروع والأصلين
والحديث والتفسير والنحو والمعاني والبيان. وأما العقليات فما كان في آخر وقته فيها مثله.
وأما فن الأدب فما احتاج مع أسماء كتبه وتصانيفه إلى بيان، هي تشهد له بأدبه وذوقه.
وأما الهجاء وفن الكتابة فكان ما يلحق فيه. وأما صناعة الحساب فرأيت أئمتها يعترفون
له فيها، ولم أره في مدة ولايته القضاء يستكثر على أحد شيئاً والعلة في ذلك إعراضه عن
الدنيا وإلقاؤها وراء ظهره، حتى لم تكن له ببال حتى إنني قلت فيه:


لم يلتفت يوماً إلى زهرة الد *** نيا وإن كانت له زاهره
رئاسة العلم التي حازها*** تكفيه في الدنيا وفي الآخرة


ولم نر أحداً من النواب الذين هم كانوا ملوك الشام ولا من غيرهم تعرض له فأفلح بعدها،
إما يموت فجأة أو يغتال أو يعطل ويستمر في عطلته إلى أن يموت، جربنا هذا غير مرة مع
غير واحد، وهذا شاع وذاع. ولقد جئت إليه يوماً، وقلت له يا سيدي هذه قضية حديثاً،
بالله دع أمرها فإنك قد أبلغت فيها عذراً، وهذا ملك الأمراء وغيره في ناحية وهم بمعزل،
وأخشى يحصل بسببها شر، فما كان جوابي إلا أن أنشد:
وليت الذي بيني وبينك عامر *** وبيني وبين العالمين خراب
فعلمت أنه لا تأخذه في الحق لومة لائم.
( مصير من عاداه )
ومن حين نافسه الأمير سيف الدين أرغون الكاملي ما قر له قرار ولا هناه عيش بدمشق،
وجرى له ما جرى، وعزل منها، وتولى حلب، وقاسى بها شدائد، ثم إنه عزل ونقل إلى
مصر، ثم إنه أمسك واعتقل بالإسكندرية، ثم حضر إلى القدس. ولم يزل يدخل في مرض
ويخرج منه إلى أن توفي رحمه الله تعالى، ولما طلب إلى مصر خوفوه من أمره، فقال: يروح
إليها ومما يفلح، ويموت والله .
__________________
خَليليَّ وَلّى العمرُ مِنّا وَلَم نَتُب = وَنَنوي فعالَ الصالِحات وَلَكِنّا
أبو يوسف غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس