الغراب والتقليد الأعمى
الغراب والتقليد الأعمى
يُذكر أنه كان هناك غراب شاهد حمامة تمشي فأعجبته مشيتها لما فيها من ملكية طبيعية. ففكر بنفسه وقارن بينه وبينها، ووجدها تتميز عنه بالكثير، فحاول أن يقلد مشيتها. تدرب وتدرب وحاول كثيراً أن يتقنها ولم يستطع. فشل فشلاً ذريعاً، وعندما يئس أراد العودة لمشيته القديمة فاكتشف أنه نسيها أيضاً. والآن ليس هو بالغراب ولا هو حمامة، لأنه فقد هويته بالكامل. أعتقد من القصة أنكم فهمتم القصد من عمود هذا الأسبوع والذي أعني فيه التقليد للأشياء من حولنا دون التعرف إلى المضمون، فكما نعرف أن هناك فرقاً بين السعي للوصول للنجاح من خلال التحصيل والجد والابداع والصبغة التي يصطبغ بها كل شخص لكي يتميز بها، وبين التقليد الأعمى الذي أشبهه بالقوالب الجامدة الشكلية الفارغة، التي يتشكل فيها الشخص لكي يكون صورة طبق الأصل عن أشخاص وأفراد تأثر بهم بشكل، لا أريد أن أقول سلبياً، ولكني أعتبره نفسياً، لأنه حاول بهذا التقليد أن يفقد نفسه الشخصية التي كان من المفترض أن يتميز بها عن غيره فأصبح فارغاً من الداخل تماماً مثل قوالب الزينة. ولو أمعنا النظر في هؤلاء الأشخاص قليلاً للاحظنا أن أكثر من يقلدون التقليد الأعمى الذي لا فائدة منه هم الأشخاص ضعاف الشخصية وقليلو الثقة بالنفس، بعكس أولئك الأشخاص الطبيعيين والمتوازنين الذين يتأثرون ويؤثرون بمن حولهم، ويفكرون قبل التقليد بأي شيء يدور من حولهم، ويمعنون بمدى فائدة ذلك التقليد عليهم وعلى مجتمعهم، فلا يستوردون أفكاراً وشخصيات وسلوكيات وتصرفات وغيرها من معالم خارجية ليس لها مدلولات إيجابية، وتكون درجة الرضا عن أنفسهم جيدة، أما المقلدون فتكون درجة الرضا عن الذات والاطمئنان فترة مؤقتة ولزمن معين، يفقد حينها المقلد شخصيته التي كان من المفترض أن يصقلها ويطورها، ويفقد أيضاً شخصية الذين تمثل بهم، فيصبح بعد ذلك فاقداً للهوية وللجوهر والمضمون، مما يجعل معاناته مستمرة.. ويستمر مسلسل البحث عن قالب جديد يتشكل على شكله...
توضح الدراسات الاجتماعية أن الأشخاص المقلدين تقليداً أعمى هم أشخاص لا يمتلكون قناعات حقيقية في طبيعة الحركة أو الموقف الذي يقومون بتقليده، مما يجعلهم بالحقيقية صدى للآخرين، فلا يملكون نفسهم أو فكرهم، مما يؤثر وبشكل مباشر على عملهم ومستقبلهم القادم، لذا لابد للمجتمع من حولهم أن يوقظ هذه الفئة من هذا الضياع، وأن يربطهم بعناصر بشرية ونماذج حقيقية من المفترض ان تقلد مضموناً وشكلاً تكون على مستوى أخلاقي وروحي و سياسي ناجح في الحياة، فعندما يكون التقليد سلبياً وجب علينا أنقاذهم بالتركيز على سلبياته ونتائجه الضعيفة، وعندما يكون التقليد إيجابياً فعلينا أن نشجعه ونعمقه في شخصيتهم ونطوره حتى نجني ثماره، وخير من يقتدى به معلم البشرية، سيدنا محمد، (صلى الله عليه وسلم) بأسوته الحسنة وسيرته العطره التي تمثل بها وكما قال الشاعر :
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم
http://www.alittihad.ae/columnsdetai...d=57801&y=2010
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات