نحن نحب السيدة عائشة لأنها أمنا, قال تعالي:( النبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم)[ الأحزاب:6], وكانت أمنا عائشة أحب زوجات النبي صلي الله عليه وسلم إليه, بل أحب الناس اليه علي الإطلاق, فعن أنس ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ سئل: من أحب الناس إليك؟ قال:( عائشة), قيل له: ليس عن أهلك نسأل. قال:( أبوها).[ صحيح ابن حبان40/16]
فهيا بنا نتعرف علي أمنا عائشة حتي يستقر حبها في قلوبنا, ويزداد إن شاء الله.
فهي أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق السيدة عائشة بنت عبدالله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي التميمي, تلتقي في نسبها مع النبي صلي الله عليه وسلم عند مرة بن كعب.
وأمها زينب بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن دهمان من بني كنانة, وقد كانت قبل زواجها من أبي بكر زوجا لصديقه وحليفه عبدالله بن الحارث الأزدي, وقد رزقت منه بابنه الطفيل ثم توفي عبدالله بمكة, وتزوجها أبو بكر فولدت له عبدالرحمن وعائشة, وكناها النبي صلي الله عليه وسلم بأم رومان.
وقد ولدت السيدة عائشة رضي الله عنها بمكة سنة أربع من النبوة في أوائل المحرم من عام الثامن قبل الهجرة النبوية بما يوافق ميلاديا سنة616. وأسلمت مع أختها أسماء وهما يومئذ صغيرتان, وقد أسلم قبلهما ثمانية عشرة من العرب, ولذا فتعد من المسلمين الأولين.
ونشأت في جماعة من بني مخزوم كما كانت العادة في الجزيرة العربية, فنشأت فصيحة اللسان قوية البيان تحفظ كثيرا من أشعار العرب, كما كانت تنشد العشر, وقد أكسبتها حياة البادية كثيرا من صفات الشجاعة والجرأة والمروءة والكرم وغيرها.
وقد تزوجها النبي صلي الله عليه وسلم بأمر من الله, كما صح ذلك عن السيدة عائشة نفسها حيث تروي عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال لها: رأيتك في المنام ثلاث ليال, جاءني بك الملك في سرقة من حرير أخضر ويقول: هذه امرأتك, فأكشف عنها, فإنما هي أنت. فأقول: إن كان هذا من عند الله يمضه[ رواه البخاري1969/5].
ولقد هاجرت إلي المدينة مع أمها أم رومان, وجدتها أم أبي بكر, وزوج الرسول صلي الله عليه وسلم سودة بنت زمعة, وبناته فاطمة ورقية وأم كلثوم, وأم أيمن زوج زيد بن حارثه, وابنها أسامة وأسماء بنت أبي بكر زوج الزبير بن العوام وكانت حاملا بابنها عبدالله, وهو أول مولود للمهاجرين, يصحبهن عبدالله بن أبي بكر, وزيد بن حارثة, وأبو رافع, وخرج معهم عبدالله بن أريقط الذي استأجره النبي صلي الله عليه وسلم ليدلهن علي الطريق. أما زينب ابنة النبي صلي الله عليه وسلم فقد منعها زوجها أبو العاص من الهجرة
وقد دخل بها النبي صلي الله عليه وسلم, فقد هاجر رسول الله صلي الله عليه وسلم فقدم إلي المدينة يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول, ودخل بها في شوال علي رأس ثمانية أشهر من الهجرة.
صفاتها:
كانت السيدة عائشة رضي الله عنها فتاة محببة العشرة ذات ولع باللعب والمرح, وكانت ربعة بين الطول والقصر, وكانت عيناها تشفان عن ذكاء وفطنة وفوقهما حاجبان متقاربان يشيران إلي ما أودعه الله فيهما من جلال الهيبة وعلو النفس, وكانت بيضاء مشربة بحمرة, ولهذا كان النبي صلي الله عليه وسلم يلقبها بالحميراء.
وكان تشبه أباها في ذكائها المتوقد, وبديهتها الحاضرة, كما تشاركه في فضيلة الصدق التي اشتهر بها, ولقب بالصديق من أجلها, حتي تغلب علي اسمه الذي دعاه به أبواه, وكان الرواة يروون عنها أحاديث الرسول صلي الله عليه وسلم فيقولون: حدثتنا الصديقة بنت الصديق البريئة المبرأة حبيبة حبيب الله, وكانت رضي الله عنها سريعة الخاطر, طروبة المزاج, طيبة القلب.
وكان جبريل عليه السلام, يقرئها السلام وترد عليه عن طريق رسول الله صلي الله عليه وسلم, فقد ورد أن النبي صلي الله عليه وسلم قال لها يوما: يا عائشة هذا جبريل يقرئك السلام. فقلت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته, تري ما لا أري. تريد رسول الله صلي الله عليه وسلم[ رواه البخاري1374/3]
وكان يري النبي صلي الله عليه وسلم أن عائشة أفضل النساء, وتتفوق عليهن كما يتفوق الثريد من الأطعمة علي باقي الأطعمة, فكان يقول صلي الله عليه وسلم: كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وفضل عائشة علي النساء كفضل الثريد علي سائر الطعام[ رواه البخاري1374/3].
وقال النبي صلي الله عليه وسلم لأم سلمة مرة وهي تكلمه عما تظنه تميزا لأمنا عائشة: يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة فإنه والله ما نزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها[ رواه البخاري1376/3].
وكانت رضي الله عنها تعرف فضلها, فتروي وتقول: فضلت علي نساء النبي صلي الله عليه وسلم بعشر. قيل: ما هن يا أم المؤمنين؟ قالت: لم ينكح بكرا قط غيري, ولم ينكح امرأة أبواها مهاجران غيري, وأنزل الله عز وجل براءتي في السماء, وجاء جبريل بصورتي من السماء في حريرة فقال تزوجها فإنها امرأتك, فكنت أغتسل أنا وهو من إناء واحد ولم يكن يصنع ذلك بأحد من نسائه غيري, وكان يصلي وأنا معترضة بين يديه, ولم يكن يفعل ذلك بأحد من نسائه غيري, وكان ينزل عليه الوحي وهو معي, ولم يكن ينزل عليه وهو مع أحد من نسائه غيري, فأتي الله نفسه وهو بين سحري ونحري, ومات في ليلة كان يدور علي فيها, ودفن في بيتي[ الطبقات الكبري لابن سعد63/8].
بقلم:د. علي جمعة
44100السنة 132-العدد2007سبتمبر321 من شعبان 1428 هـالأثنين