"الحورة" تراث الآباء ولعبة الأقوياء
محمد الحسين
ألعابنا الشعبية أحد أهم عناصر التراث الشعبي وجزءاً مهماً من الذاكرة والوجدان لأي مجتمع، فهي نتاج للتكوين الثقافي والحضاري، وانعكاس للبيئة الطبيعية والجو الاجتماعي السائد، ويسهم اللعب إسهاما فعالاً في بناء الشخصية الاجتماعية، وتربيتها من النواحي الوطنية والنفسية والجسدية، وتؤدي الألعاب الشعبية دوراً هاماً في توثيق الموروث الشعبي المرتبط بالحركة والإيقاع والأناشيد والأغاني الشعبية، كما تساعد على انتقال العادات والتقاليد والمعارف بصورة طبيعية وتلقائية من جيل إلى آخر، مكونة بذلك ثقافة شعبية غنية بالمعاني والعبر والمدلولات الإنسانية والاجتماعية، التي تؤكد أهمية الانتماء إلى الجماعة والارتباط الجذري بالأرض والوطن.
ومن ألعابنا الشعبية لعبة "الحورة" التي تشبه لعبة "الهوكي"، ولمعرفة اللعبة وقواعدها التق eSyria السيد "فاروق العيد" من أهالي قرية "المريعية" الذي بدأ بالقول: «هي لعبة شعبية من ألعاب مجتمعاتنا الريفية وبالأخص المنطقة الشرقية وهي لعبة فصلية لا تلعب إلا في فصل الربيع وتخص الشباب دون الأطفال، ومكونات اللعبة مجموعة من العصي يتراوح طول العصا الواحدة من "100- 140" سم والكرة وتسمى "الصرع" وهي عبارة عن قطعة من الخشب دائرية الشكل تقريباً يتراوح قطرها ما بين "10-15" سم تصنع عادةً من خشب التوت لقساوته ومقاومته للصدمات، كما أن عدد اللاعبين غير محدد فيجوز أن يلعب فريق بعدد أكثر من الفريق الثاني، مسرح اللعبة كبير كملعب كرة القدم تقريباً فيه خط بأوله وخط بنهايته ويعتبر كل خط حدوداً للفريق لا يوجد زمن محدد للعبة ولا أشواط ولا يوجد حكم، وتقام اللعبة بين فريقين من القرية أو مع فريق من قرية مجاورة، وتعتمد اللعبة على محاورة "الصرع" بين العصي وإيصاله إلى ما خلف الخط وكل اجتياز للخط يعتبر هدفا ثم يرمى "الصرع" من جديد وسط الملعب ويتابعون، ولا تنتهي اللعبة إلا باستسلام أحد الفريقين عندها يكون الخاسر بالعرف الريفي ثم يقوم الفريق الخاسر على
السيد فاروق
ذبح ذبيحة من الأغنام ويأكل منها الفريق الفائز فقط إلا إذا سمح للفريق الخاسر بمشاركة الطعام، والسائد بأن يأكل الجميع لزيادة المحبة بين الفريقين وأحياناً تدوم اللعبة أكثر من أربع ساعات متواصلة إذا كان الفريقان متكافئين من حيث القوة والصلابة، وتمتاز لعبة الحورة بشعبية كبيرة في ريفنا لكونها تجمع بين أمور عدة منها القوة، والشجاعة، والمهارة والرشاقة، والتصميم والحماس والكرم، حيث إن طبيعة اللعبة قاسية وخشنة ما ينتج عن ذلك إصابات بالغة في الأرجل والأيدي وأحياناً في الأضلاع ناهيك عن بعض الكدمات في الوجه والرأس ومع كل هذا فهناك قانون خاص باللعبة مفاده، لا يوجد ثأر للشخص الذي يصاب أثناء اللعبة مهما كانت إصابته بالغة بل يؤخذ الأمر بكل روح رياضية ودون أي مشاحنة».
وأضاف "العيد" قائلاً: «وللنساء دور فعال في هذه اللعبة حيث يقمن بإطلاق بعض الأهازيج الحماسية التي ترفع من الروح المعنوية للاعبين عندها ترتفع معنوياتهم معاندين كل الصعاب كما يقمن أيضاً بتضميد وإسعاف المصابين، وهناك ألعاب شعبية شبيهة للعبة الحورة في دول أخرى مثل لعبة الهوكي بشقيها على الجليد وعلى المرج الأخضر وعلى ظهور الخيل في أوروبا وأمريكا لكن تختص كل لعبة بعدة ضوابط خاصة بها ما يعطيها صبغتها
هوكي الملاعب
الخاصة».
ولتتمة الحديث عن اللعبة التقينا السيد "حمود العايد" الذي قال: «كنت صغيراً عندما كان آباؤنا وأجدادنا يلعبون الحورة، وهذه اللعبة يلزمها ذكاء حاد ولياقة عالية وصبر، وعندما تشتد المنافسة تشعر كأنك في معركة، هذه اللعبة ممتعة ولكن تحدث فيها إصابات أحياناً تكون على شكل كدمات نتيجة اصطدام الكرة الخشبية بأجسام اللاعبين».
وذكر في كتاب "قبائل بدو الفرات" لليدي "آن بلنت" قولها: «هم يلعبون لعبة الكرة الخشبية والصولجان، وتسمى هذه اللعبة في "دير الزور" بالحورة وهي تشبه لعبة الهوكي مع بعض التعديل».
وكذلك التقينا الحاجة "أم أمين" التي قالت: «أنا من بين النسوة اللواتي كنا يحضرن لعبة الهوكي وكان دورنا يقتصر على التشجيع ومعالجة الإصابات إن وجدت، واللعبة رغم خشونتها وكثرة إصاباتها غير المقصودة إلا أنها كانت تؤخذ بروح الدعابة وروح الأخوة التي فقدت من البعض في زماننا هذا، والدليل على ذلك كثرة شغب الملاعب الذي نشاهده على التلفاز».
والتقينا بعض الفتية الذين يحاولون إحياء الألعاب التراثية وهم: "عبد الله العكلة" و"عبد الرحمن الحاسة" و"أحمد الفاروق" و"بشار الحاسة" و"أحمد فتح الله"، الذين قالوا: «نحن نلعب جميع الألعاب القديمة والتي نسمعها من آبائنا وأجدادنا مثل، لعبة "الحج" و"الطمازون" و"الحاح" و"الحورة" وكل لعبة تلعب بفصل معين من فصول السنة وكل لعبة لها قواعدها الخاصة بها ونحن نلعب الحورة ولكن بدلنا بعض العناصر والتي قد تكون مؤذية في السابق إلى أخرى أكثر أماناً فقمنا بتبديل الكرة الخشبية والتي كانت تسمى "الصرع" واستخدمنا كرة مطاطية أو جلدية حتى لا تؤذي من تتجه إليه هذه الكرة».
** مصادر تم الرجوع إليها:
* كتاب قبائل بدو الفرات 1878م للرحالة البريطانية الليدي آن بلنت، الصفحة 109.
أنت غير مسجل في منتدى الإحسان . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا
08-18-2010
لعبة الحورة
تعليمات المشاركة
المواضيع المتشابهه
العرض العادي
