في الحلقة 28 من السيرة النبوية
المدينة المنورة تستقبل الوفود وتفتح أول حوار مع الأديان الأخرى







دبي - العربية.نت

في السنةُ التاسعة للهجرة تقاطرت الوفود إلى المدينة المنورة، وأصبحت محورَ النشاط السياسي والديني في المنطقة، وفتحت أول حوار مع الأديان الأخرى ممثلاً في وفد نصارى نجران.

هذا ما تناولته الحلقة 28 من من السلسلة الوثائقية" السيرة النبوية" التي تبثها قناة العربية يوميا خلال شهر رمضان عند الساعة الخامسة والنصف بتوقيت مكة، الثانية والنصف بتوقيت جرينتش.

ويقول ضيوف الحلقة إن ذلك أمر طبيعي في ضوء استقرار الدولة الإسلامية بعد فتح مكة وما تلاه من غزوات، وبخاصة حُنين وتبوك، فأصبحت القوةَ الأساسية الأولى في الجزيرة العربية وما حولها. وترسخت المدينةُ عاصمةً لهذه الدولة.


استمرار النبي في المدينة

وكانت شكوك تنتاب الأنصارَ من أهل المدينة من احتمال أن يستقرَّ الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة. وقد عبروا عن مخاوفهم بصورة مباشرة، والرسول يدعو عند الصفا، فقال بعض الأنصار فيما بينهم:‏ أترون رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ فَتحَ اللهُ عليه أرضَه وبلدَه أن يُقيم بها، فلما فرغ من دعائة قال‏:‏ ‏"‏ماذا قلتم‏؟‏‏"‏ قالوا‏:‏ لا شيءَ يا رسولَ الله، فلم يزل بهم حتى أخبروه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏معاذَ الله، المَحيا محياكُم، والمماتُ مماتُكم‏"‏‏.‏

ويعلق د. طارق السويدان أنه بعد فتح مكة كان هناك توقع أن النبي صلى الله عليه وسلم يرجع إلى بيته في مكة وإلى أهله، والأنصار كانوا متوقعين هذا، ورد عليهم النبي ردا جميلا، فقال ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتعودون برسول الله معكم.

ودعا النبي للأنصار ولأبناء الأنصار ولأبناء أبناء الأنصار، وقال لا يحبهم إلا مؤمن ولا يكرههم إلا منافق، وعاد النبي إلى المدينة، وعاد معه أيضا المهاجرون الذين كانوا قد تركوا أموالهم وبيوتهم في مكة.

وتظهر لقطات من منطقة "الجعرانة" التي جرى فيها توزيع الغنائم بعد معركة حنين، وما تلاها من حوار جميل جدا بين النبي وبين الأنصار، حيث ظنوا أنه سوف يذهب إلى أهله في مكة ولا يبقى معهم، وتكلم معهم النبي كلاما جميلا.

عاد الرسول إلى المدينة، ليواصل بناء الدولة التي أقامها، وكان للأنصار دور أساسي في بنائها والدفاع عنها. وصلة الرسول بالمدينة أضحت من العمق والقوة بحيث لا يستطيع وطنٌ قديم ولا ذكرياتٌ عزيزة التأثيرَ عليها.


جيل القادة العسكريين

وساهمت الغزوات المتواصلة التي خاضها المسلمون دفاعا عن عقيدتهم، في تشكيل جيل من القادة العسكريين في المدينة، سيكون لهم دور كبير في الفتوحات الكبرى اللاحقة، بحيث تمكنوا من إحكام السيطرة على العالم القديم في فترة قياسية يَعْجَبُ لها المؤرخون.

وفي هذه المرحلة بعد السنة التاسعة من الهجرة أصبح سكان المدينة أكثر تجانسا، بعد خروج اليهود منها، والحد من نفوذ المنافقين، وخاصة بعد هدم مسجد الضرار التي اتخذه المنافقون مقرا لهم.

كل ذلك جعل المدينة تستقطب أعدادا كبيرة من الوفود، بالتزامن مع دخول الناس في دين الله أفواجا، حتى ذكرت كتب السيرة أن عدد هذه الوفود زاد على سبعين وفداً.

وكانت بعض الوفود القادمة من مناطق بعيدة كوفد حِمْيَر، تطلب أن يرسل الرسول معهم من يعلمهم أمورَ دينِهم، وهذا ما حدث عندما أرسل إلى اليمن معاذَ بن جبل، وأبا موسي الأشعري.

وكثيرا ما كان الرسول يأمر بأن تكتب كتبٌ لهذه الوفود تُبيَّن فيها شرائع الإسلام وحدوده.


حوار مع نصارى نجران

ومع ذلك لم تكن الوفود كلها مسلمة، بل كانت هناك وفود تأتي للحوار مع المسلمين، مثل وفد نصارى نجران، الذي تحاور مع المسلمين في كثير من أمور الدين، وبقي على دينه، وترك لهم رسول الله الحرية الكاملة في دينهم، وكتب لهم كتاباً بذلك، يحدد شروط الصلح بين الجانبين.

كل ذلك كان يجري في المسجد النبوي، بل إن بعض الوفود كان بينهم شعراء يجيئون لمبارزة شعراء المسلمين، وكانت تعقد هذه المبارزات في المسجد.