الخصائص العامـة للهجة دير الزُّور
الخصائص العامـة للهجة دير الزُّور
للباحث عباس طبال
إن المتتبعَ للهجةِ التي نحن بصَـَدد البحث عن خصائصها يجد أن هناك توافقا كبيرًا بينَ مفردات العامية التي ينطق بها الناس خلال حياتهم اليومية ، وبين مثيلاتها التي تـنـتـمي إلى اللغة الفصحى ، كما يجد أن كثيرا من المفردات التي ينطـقها العامة يعود بأصوله إلى اللهجات التي تعود إلى ظواهر رصـدت في لهجات القبائل العربية منذ العصر الجاهلي :
فالعاميّ يقول عن المنديل : مِمَشّة وعن مسح اليد بعد غسلها: المَشّ يقول: مَشَشتُ يدي ومَشِّيت ُ يدي .
يقول امرؤ القيس :
نَمُشُّ بأعرافِ الجيادِ أكفـّنا إذا نحنُ قـُمنا عن شِـواءٍ مُـضَهّـَبِ (1)
والفلاح يستخدم المِسحَاةَ في عمله اليوم وفي سقايته .
والنابغة يقول :
َرّدت إليهِ أعـاليـهِ َوَلبـّدهُ ضَـربُ الوليـدةِ بالمسحاة ِفي الثّـَـأد ِ
و لَـبَّـدَ الصوف ضربه حتى لزق ببعضه وأصبح لبدا أو لِـبَّــَادة . وبيوت القرى في الدير
قلما تخلو من صيصاية تستخدمها ناسجة البسط في تخليص خيوط السدو من بعضها وهذه الصيصاية معروفة لكل الشوايا ( وهم سكان قرى الفرات الأوسط وهم قلّة من القبائل العربية بقيت تسكن شواطىء الفرات وفي اللغة يقال عن الشيء القليل شـويـّة وتجمع على شوايا ) وهي قرن الجدي أو الغزال المعقوف . وما زالت تعرف باسمها القديم يقول الشاعر الصمّة القشيري في رثاء أخيه عبد الله :
غداة َدَعاني والرِمَاحُ تنوشُهُ كوقعِ الصياصي في النسيج ِالممدّد ِ ( 2 )
أما ناشَ وناوشَ فهي نال وناول يقول إنسان لآخرَ ناوشني كذا أي ناولني وهي بلهجة عامة الدير تحمل المعاني التي أرادها الشاعر في البيت السابق .
وإذا سألت رجلا أو ولدا فعل أمرا ما . هل فعلته لأجابك ((إي )) أي نعم والقرآن الكريم يرد فيه هذا المعنى في قوله عز وجل :
((( ويستنبئونك أحق هو قل إي و ربي ))) ( 3 )
ويورد ابن فارس معنى (إي ) فيقول : إي في زعم أهل اللغة بمعنى نعم ( 4 )
- 29 -
هذا غيض من فيض وقليل من كثير من الكلمات الفصيحة التي تترد على ألسنة العامة خلال
حياتهم اليومية دون أن يفطن أحد إلى فصاحتها . و لابد للإحاطة بها من جمعها وردها إلى أصولها مدعومة بالشواهد في معجم يعود بالفصحى إلى حقيقتها ويجلو عنها ما تراكم عليها من غبار . يستخدمها الناس نطقا وكتابة دون ما حرج بعد أن تأكد لهم فصاحتها . وهذا ما سأتناوله في كتاب يرصد الفصيح في كلام العامة في المنطقة إن شاء الله
1 - الديوان ص 54 3- سورة يونس آية 53
ديوان الصمّة القشيري 4- الصاحبي لأحمد بن فارس ص 17
نطق أهل الدير لحروف العربية :
إنّ من يستمع لأهل الدير خلال أحاديثهم يجد أنهم - ربما – الوحيدون في عالمنا العربي اليوم ينطقون الحروف مفردة خارجة من مخارجها المنصوص عليها في كتب اللغويين بما في ذلك النطق بحروف الضاد والظاء والثاء والذال والقاف والجيم وتلك ميزة واضحة في أهل الدير . كما أنهم ينطقون بالحروف على شكل آخر عدلت إليه (1)كما سنورد ذلك ويمكننا من خلال اطلاعنا على لهجة الدير ومعايشتها أن نجمل خصائص لهجة أهل الدير بما يلي :
30
1 - الإمالة
: وهي في الأغلب تكون في إمالة الألف نحو الياء أي إخراجه من مخرج صوتي بين الألف ومخرجه والياء و مخرجها ويمكن أن نقارنه بمخرج مماثل في اللغات الأوربية والإنكليزية كما يخرج الحرف المتكون من الحرفين ( a i ) في كلمة ( chain ) .
فيقول أهل الدير : مِحرِيث بدلا من محراث (2 ) ومسبيح بدلا من مسباح ( سبحة ) 0 ومِجديف بدلا من مِجداف وعرزيلة بدلا من عرزال وغربيل بدلا من غربال ومدميـﭻ ( مدماك قياس للارتفاع في مهنة البناء ) بدلا من مدماج ( 3 ) ومقثيه بدلا من مقثاة ( مقثأة مكان زراعة القثّاء ) ( 4 )
ونجد أن إمالة الألف إلى الياء قد حدثت في الأسماء الخماسية التي كان رابعها الفا وهنالك شواذ في هذا الباب فيقولون مثقال ومفتاح ولا يميلونها .
ومن الإمالة إمالتهم لألف ( لا ) وقولهم ( لي الياء ممالة) والتهي بمعنى حتّى وذلك في غناء الموليا ( الشعر والغناء الشعبي ) :
اثنين هَـدّن على مُوحَك يَـبُـو ﮔذيلة الحِـيل مِنّي نِـحَـل والثوب ما اشِـيله
لعلك يا زَريف الطول تَـعـلِـبلَــــــــــه لِـي مَـا يِـِغيـب القُمروتِشِـب الثرَيا
( هَـدَّن : نزلن ، دخلتا 0 الموح : الأرض المنبسطة التي يتركها النهر بعد الفيضان 0 تلقظ قاف القمر كلقظ المصريين للجيم 0
ﮔذيلة : الشَّـعر المظفور من أعلى الرأس لأمام الأذن ـ تلفظ الكاف كلفظ المصريين للجيم ـ أو الظفيرة من الشعر 0 زريف: ظريف 0 تعليلة : مسامرة 0 )
هذا الذي تحدثنا عنه من إمالة الأسماء الخماسية مثل مجديف وغربيل وغيرها وإمالة الأسماء الثلاثية بعضها وغيرها ، إنما يكون شائعا في لهجة أهل المدينة (دير الزور ) أما الشوايا - سكان ألقرى او الريف - فإنهم يبقون الألف على حالها ولا يميلونها فيقولون : مجداف وغربال مقثاة ( مِجثاة ) وغيرها . فهم أقرب للفصاحة من المدينة في هذه الظاهرة
وقرىء ((( بسم الله مجريها و مرسيها )
وقد عدَّ علماء اللغة الإمالة حرفا منطوقا من حروف العربية فسيبويه يرى أن ذلك - أي الإمالة – من جّــيد الحروف لا مذمومها (6 )
يقول سيبويه في تعداد الحروف الجيدة التي تزيد عن التسعة والعشرين حرفا المكتوبة : " 000 والألف التي تمال إمالة شديدة "0
وقد عد علماء اللغة الإمالة حرفا منطوقا لا مكتوبا في حروف اللغة العربية وقد عُـّرفت الإمالة " :بأنها تقريب الفتحة طويلة كانت أم قصيرة إلى الكسرة طويلة كانت أم قصيرة" ...... وخير ما يمثل هذا التعريف قول ابن الحاجب في شرح الشافي ( الإمالة أن ينحى بالفتحة نحو الكسرة ) 0 ( 7 ) وقد نبه الدكتور أنيس إلى هذا النوع من الإمالة، بقوله في كتابه ( في اللهجات العربية ص 65 ) : ( فكما يمال الفتح إلى الكسر قد يمال أيضا إلى الضم ) . ومثيل هذا ذكره الدكتور أحمد علم الدين الجندي في كتابه اللهجات العربية في التراث ج 1 / ص 283 . وتقول الدكتورة صالحة راشد آل غنيم في كتابها (اللهجات في كتاب سيبويه) :
( كما أن بعض العلماء سمّى الإمالة بالترخيم (8 ) ومن هؤلاء سيبويه الذي صرح بأن ترخيم الألف ( أي إمالتها ) في نحو (عابد ) و ( عماد ) و ( سربال ) ليس من لغة الحجاز . وتتابع قولها :
( أجل فنماذجه تتفق وتلك النماذج التي صرح بأنها من لغة تميم وقيس وأسد ...... والترخيم في سربال وشملال و درهمان كالترخيم في ( عندها ) فبين الكسرة والألف حرفان أحدهما ساكن . (9)
وعلى هذا نجد أن إمالة أهل الدير لـ : عرزال – مجداف – مقثاة - مدماك - محراث – مسباح - غربال . كانت نتيجة لكسر الحرف الأول ولكون حرفها الرابع ألفا وما بين الحرفين الأول والألف حرفان أحدهما ساكن . والناطقون بالإمالة منهم قيس من سكان المنطقة التي ندرس لهجتها وما زالت تقطن المنطقة إلى اليوم 0 أمّا تميم وأد فلهم
وجود في المنطقة التي نتحدّث عنها 0
1- انظر الكتاب لسييويه ج 4 ص 431 وما بعد حيث جعل حروف اللغة العربية المنطوقة اثنين وأربعين حرفا منها حروف تقع مخارجها بين حرفين منطوقين مكتوبين وكذلك أخذت في نطقها شكلا هو بين بين مثل القاف التي ليست قافا ولا كا فا بل هي بين بين كما ينطق العامة القاف في ( قلب ) فيكتبونها قلبا وينطقونها كلبا( ينطقون القاف فيها كما ينطق المصريون الجيم )
2 - للمحراث في لهجة أهل الدير دلالتان : أ: حديدة تحرك بها النار وهو فصيح ذكره صاحب اللسان قال ما تحرك به النار في التنور والكانون وكذلك (المئراث ) فمن القبائل العربية من أبدل الهمزة حاء على تقارب في المخرج 0
ومنهم من نطقها حاء قال الشاعر العُـمَاني :
أسودُ كالمحراثِ ُيدعى شجعما صمحمح من طول ما تأثما
ب : ما تحرث به الأرض .
3 - المدماك : قياس يتخذه البناؤون لبيان إرتفاع الجدران عن الأرض( فصيح اللسان )
4 - المقثاة : المزرعة تزرع خيارا أو قثاء ( فصيح )
5 - دراسات في فقه اللغة د / صبحي الصالح ص 101
6 - يرى سيبويه في كتابه ( الكتاب ) ج 4 ص 431 – 432 أنّ حروف اللغة العربية أصلها تسعة وعشرين حرفا . ويعددها ثم يضيف ص 432 : وتكون خمسة وثلاثين حرفا بحروف هنّ فروع وأصلها التسعة والعشرين وهي كثيرة وتستحسن في قراءة القرآ ن والأشعار _ ويعددها _ ثم يقول : وتكون إثنين وأربعين حرفا بحروف غير مستحسنة – ويعددها - ثم يقول : وهذه الحروف التي أتممتها اثنين وأربعين حرفا جيدها ورديئها أصلها التسعة والعشرون لا تتبين إلاّ بالمشافهة .
ويرى ابن دريد في الجمهرة ص 4 هذا الرأي فبقول : وهذه الحروف تزيد على هذا العدد أي التسعة والعشرين إذا استعملت حروف لا تتكلم بها العرب إلاّ ضرورة . ( ويقصد بالتكلّم النطق بها )0
كما أن القلقشندي في صبح الأعشى ج 3 ص 17 يوصلها إلى سبعة وأربعين حرفا
ويرى الزمخشري في كتابه المفصل ص 394 هذا الرأي .
وقول سيبويه: " بحروف غير مستحسنة " 0لأنها لم تأت في ا لقراءات التي قُرىء القرآن الكريم بها" إنما انتقد قوما فصحاء وجدت لهجتهم قبل أن ينزّل القرآن الكريم على رسول الله ( صلّى الله عليه وسلّم )وهم ممـّن تؤخذ عنهم اللغة وتروى عنهم الأشعار( ومن هنا لو وافقنا سيبويه على حُسن حرف أو قبح آخـر لكنّا موافقين له على أن ينتقد المتأخر المتقدّم في لغته ( لهجته )التي ينطق بها ، ولجاز لنا أن نقرّ أنّ الفصحى لغة عفا عليها الزمن لأننـا لا ننطق بها اليوم ثم إ نّ القرآن جاء باللغة المثالية المنتقاة من لغات ( لهجات ) العرب و إنّ لكلّ لهجة من لهجات العرب مآخـذها التي أخذت عليها 0
وعلى الدارس للهجات أن يرصدها من أفواه أصحابها كما ينطقون بها دون أن ينتقدها لأنّ لنقدها مجالا آخر ( ودارس ظاهرة ما في اللغات عليه رصدها كما هي 0 وهذا ما قام عليه المنهج الوصفي أحد مناهج البحث العلمي والعالم يصف ما يرى أو يسمع دون أن ينقد أويبدي رأيا فيما يرصد 0
وعن المستحسن وغير المستحسن من الحروف والألفاظ والمستقبح الحوشيّ منها صدر عن مجمع اللغة العربية في القاهرة عام 1964 م قرار تحت عنوان " في الألفاظ الحوشيّة " نصّه ما يأتي : اعتبار بلاغي لا لغوي ولا يستبد اللفظ من المعاجم بأنّه حوشيّ )) - مجمع اللغة العربية في القاهرة – المجلد الثامن – مؤتمر د \ 30 ص 71 سنة 1964 م 0 ويمكن أن نسقط ذلك على الحروف أيضا لأن الكلمات تتكون من الحروف وراصد الظاهرة الحرفية لا يبين الحسن أو القبح في صوت الحرف لأن ذلك من مهمة دارس البلاغة 0
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
التعديل الأخير تم بواسطة عبدالقادر حمود ; 12-23-2012 الساعة 02:33 PM