أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           الحَمْدُ لله الذِي عَافَانِي في جَسَدِي ورَدَّ عَلَيَّ رُوحِي، وأَذِنَ لي بِذِكْرهِ           
العودة   منتديات البوحسن > الشريعة الغراء > المواضيع الاسلامية

إضافة رد
قديم 12-20-2014
  #1
عبد القادر الأسود
عضو شرف
 الصورة الرمزية عبد القادر الأسود
 
تاريخ التسجيل: Feb 2010
المشاركات: 216
معدل تقييم المستوى: 15
عبد القادر الأسود is on a distinguished road
افتراضي فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 189

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ
(189)
قولُهُ ـ عَزَّ سلطانُه: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} يُنَبِّهُ اللهُ تَعَالَى خَلْقَهُ إِلَى أنَّ جَميعَ البَشَرِ مَخْلُوقُونَ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، هِيَ نفسُ ـ آدَمَ عليه السلامِ ـ وقد تقدّمَ تفصيلُ قصَّة خلقهِ في سورة البقرة، وهذا اسْتِئنافٌ ابتدائيٌّ مَسُوقٌ لِبيانِ ما يَقْتَضي التَوحيدُ الذي هو المقصدُ الأَعْظَمُ مِنَ الدِينِ، فقد عاد بها الكلامُ إلى تقريرِ دَليلِ التَوحيدِ وإبْطالِ الشِرْكِ الذي سلف ذِكْرُهُ بقولِهِ في الآيةِ: 172من هذه السورة: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}. أَيْ: إنَّ الذي يَسْتَحِقُّ العبادةَ والخُضوعَ، والذي عِنْدَهُ مَفاتِحُ الغَيْبِ هُوَ اللهُ الذي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ هي نَفْسُ أَبِيكمْ آدَمَ ـ عليه السلامُ ـ
وضمير الخطابِ في "خَلَقَكُمْ" للمُشْرِكينَ مِنَ العَرَبِ لأنَّهمُ المَقصودُ مِنْ هذِهِ الحُجَجِ والتَذكيرِ، وإنْ كانَ حُكْمُ هذا الكَلامِ يَشْمَلُ جميعَ البَشَرِ، فيكونُ المُرادُ الكُلُّ الجَميعيِّ أَيْ خَلَقَ كُلَّ أَحَدٍ مِنكمْ مِنْ نَفْسٍ واحدةٍ، فَتَكونُ النَفْسُ هِيَ الأَبُ، أَيْ أَبو كُلَّ واحدٍ مِنَ المُخاطَبين على نحوِ قوْلِهِ تعالى في سورةِ الحُجُراتِ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} [الآية: 13. وقولِهِ في سُورَةِ القِيامَةِ: {فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} الآية: 39.
قولُه: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} وَأَنَّهُ خَلَقَ مِنْ هَذِهِ النَّفْسِ زَوْجَهَا (حَوَّاءَ) عليها السلامُ، خَلَقَها مِنْ جَسَدِ آدَمَ، مِنْ ضِلْعٍ مِنْ أَضْلاعِهِ. أَو أنَّ المقصودَ بِ "مِنْها" أيْ: من جِنْسِها وهم كَقَوْلِهِ في سُورَةِ النَمْلِ: {جَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} الآية: 72. ثُمَّ انْتَشَرَ النَّاسَ مِنْهُمَا عَنْ طَرِيقِ التَّنَاسُلِ المَعْرُوفِ.
وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: إِنَّهُ جَعَلَ لِلْنَّفْسِ زَوْجاً لَهَا مِنْ جِنْسِهَا لِيَتَآلَفَهَا، وَلِيَسْكُنَ أَحَدُهُما إلَى الآخَرِ، فَلاَ أُلْفَةَ أعْظَمُ مِمَّا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ. و "لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا" لِيَطْمَئِنَّ إليها ويميلَ ولا يَنْفُرُ، لأنَّ الجِنْسَ إلى الجِنْسِ أَمْيَلُ وبِهِ آنَسُ. وإذا كانتِ بَعْضاً مِنْهُ كان السُكونُ والمحبَّةُ أَبْلَغَ، كَما يَسْكُنُ الإنْسانُ إلى وَلَدِهِ ويُحِبُّهُ مَحَبَّةَ نَفسِهِ لِكَوْنِهِ بِضْعةً مِنْهُ.
فالأَصْلُ في الحياةِ الزَوْجيَّةِ هُوَ السَكَنُ والاطْمِئْنانُ والأُنْسُ والاسْتِقرارُ وهذِهِ نَظْرَةُ الإسْلامِ إلى تِلكَ الحياةِ. قال تعالى في سورة الروم: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لتسكنوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً } الآية: 21.
قولُه: {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ} فلَمَّا تَغَشَّاها: فيه إيماءٌ إلى أنَّ تَكثيرَ النَّوعِ عِلَّةُ المُؤانَسَةِ، كَما أَنَّ الوَحْدَةَ عِلَّةُ الوَحْشَةِ، وأَيْضاً لمّا جُعِلَ المَخلوقُ أَوَّلاً الأَصْلَ كان المناسِبُ أَنْ يَكونَ جَعْلُ الزَوْجِ لِسُكونِهِ بَعْدَ الوحشِة، وليس العَكْسُ فإنَّهُ غَيرُ مُلائمٍ لَفظاً ومَعْنًى. وَحِينَمَا "تَغَشَّاهَا" أيْ: وَاقَعَ الذَّكَرُ الأنْثَى عَلِقَتْ مِنْهُ. وَكَانَ الحَمْلُ فِي أَوَّلِ عَهْدِهِ خَفيفاً لاَ تَكَادُ تَشْعُرُ بِهِ. وغِشاءُ الشيءِ: غِطاؤُهُ الذي يَسْتُرُهُ مِنْ فَوْقِهِ، والغاشيةُ؛ الظُلَّةُ التي تُظِلُّ الإنسانَ مِنْ سَحابَةٍ أَوْ غَيرِها.
والتَغَشِّي كِنايَةٌ عَنِ الجِماعِ. أيْ: فلمّا تَغَشَّى الزَوْجُ الذَكَرُ الزوجَ الأنثى وتَدَثَّرَها لِقَضاءِ شَهْوَتِهِما "حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً" أيْ: حمَلَتْ مِنْهُ محمولاً خَفيفاً وهوَ الجَنينُ في أَوَّلِ حملِهِ لا تَجِدُ المَرْأَةُ لَهُ ثِقلاً لأنَّهُ يَكونُ نُطْفَةً، ثمَّ عَلَقَةً، ثمَّ مُضْغَةً. والتَعبيرُ عَنِ العَلاقةِ الزَوْجِيَّةِ بِ "تَغَشّاها" يوضِّحُ سموَّ القُرآنِ في تَعبيرِهِ، وأَدَبِهِ عندَ عَرْضِ الحَقائقِ. فإنَّ أُسْلوبَهُ يَلْطُفُ ويَدِقُّ عِنْدَ تَصويرِ هذه العلاقةِ بين الزَوجين، فهُو يَسُوقُها عَنْ طَريقِ كِنايَةٍ بَديعةٍ تَتناسَبُ مَعَ جَوِّ السَكَنِ والمَوَدَّةِ بَين الزَوْجينِ وتَتَّسِقُ مَعَ جَوِّ السَتْرِ الذي تَدْعو إليْهِ الشَريعَةُ الإسْلامِيَّةُ عِنْدَ المُباشَرَةِ بينَ الرَّجُلِ والمَرْأَةُ، ولا نَجِدُ كَلِمَةً تُؤَدِّي هذِهِ المَعاني أَفْضَلَ مِنْ هذه الكَلِمَة. و "فمرَّتْ بِهِ" مَضَتْ بحملِها إلى نِهايتِهِ واستمرتْ به إلى أَنْ انتهتْ مُدَّةُ حَملِهِ، دونَ أنْ تشعُرَ فيه بتعبٍ أو إعياءٍ في البداية، ودون أنْ تَثْنيها معاناةٌ منه عندما كَبُرَ وثَقُلَ ولم تتوقَّفَ عندَ مُعاناةٍ أَوْ شُعورٍ بِثِقَلٍ أوْ ألمٍ.
أَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ الطبريُّ وأَبو الشَيْخِ عَنْ أَيُّوبَ قالَ: سُئِلَ الحَسَنُ البصْريُّ ـ رضيَ اللهُ عَنْهُ ـ عَنْ قَوْلِهِ: "حملَتْ حمْلاً خَفيفاً فَمَرَّتْ بِهِ" قال: لوْ كُنْتَ عَرَبِيّاً لَعَرَفْتَها، إنَّما هِيَ اسْتَمَرَّتْ بالحَمْلِ.
وأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ وابْنُ أَبي حاتمٍ عنِ السُدِّيِّ في قولِه: "حملت حملاً خفيفاً" قال: هيَ مِنَ النُطْفَةِ "فمرت به" يَقولُ: اسْتَمَرَّتْ. وأَخرجَ سَعيدٌ بْنُ مَنْصورٍ وابْنُ المُنذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ في قولِهِ: "فمرت به" قالَ: فاسْتَمَرَّتْ بِهِ. وأَخرجَ عبدٌ بْنُ حميدٍ وابْنُ جَريرٍ وابْنُ أَبي حاتمٍ وأَبو الشَيْخِ عَنْ مجاهِد في قولِهِ: "فمرت به" قال: فاسْتَمَرَّتْ بحَمْلِهِ. وأَخرجَ ابْنُ أَبي حاتمٍ عنْ ميمونَ بْنِ مَهرانَ في قولِهِ: "فمرت به" قال: اسْتَخَفَّتْهُ.
وفي "مَرَّتْ به" من البلاغةِ مالا نجدُهُ إلاَّ في هذا القرآنِ العظيمِ المعجِزِ، فإنَّ مَرَّ بالشيءِ تعني أَنّهُ رآهُ وأحَسَّ بِهِ ولكنَّهُ لم يتوقَّفُ عندهُ لأنَّ له هدفاً يريدُ بلوغَه. فحقيقةُ المُرورِ: الاجْتِيازُ، ويُسْتَعارُ للتَغافُلِ وعَدَمِ الاكْتِراثِ للشَيْءِ كما هو في قولِهِ تِعالى في سورة يونُس: {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ} الآية: 12. أيْ: نَسِيَ دُعاءَنا، وأَعْرَضَ عَنْ شُكْرِنا لأنَّ المارَّ بالشيْءِ لا يَقِفُ عِنْدَهُ ولا يُسائلُهُ، وهو كقوله أيضاً في سورةِ الفُرقان: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} الآية: 72. وكقولِهِ تَعالى في سورةِ يوسُفَ: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} الآية:105.
فمعنى "فَمَرَّتْ بِهِ" لم تَتَفَطَّنْ لَهُ، ولم تُفَكِّرْ في شَأْنِهِ، وَكُلُّ هذا حِكايَةً للواقِعِ، وَهُوَ إدْماجٌ.
هذا وقدْ سَلَكَ في وَصْفِ تَكْوينِ النَسْلِ مَسْلَكَ الإطْنابِ: لما فيهِ مِنَ التَذْكيرِ بِتِلْكَ الأطوار، الدالة على دقيق حكمة الله وقدرته، وبلطفه بالإنسان.
قولُهُ: {فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} وَلَمَّا تَقَدَّمَ الحَمْلُ بِهَا وَأَثْقَلَتْ، وحانَ وَقْتُ الوِلادَةِ تَوَجَّهَ الزَّوْجَانِ إلَى اللهِ رَبِّهِما بِالدُّعَاءِ، بِأَنْ يَرْزُقَهُمَا وَلَداً صَالِحاً تَامَّ الخَلْقِ، يَصْلُحُ لِلْقِيَامِ بِالأعْمَالِ النَّافِعَةِ التِي يَعْمَلُها البَشَرُ، وَأَقْسَمَا عَلَى ما وَطَّنا نَفْسَيْهما عَلَيهِ مِنَ الشُّكْرِ للهِ عَلَى أَنْعُمِهِ.أَخْرَجَ عَبْدُ الرَزَّاقِ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أَبي حاتمٍ عَنِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ ـ رضي اللهُ عونه في قولِهِ تعالى: "لئن آتَيْتَنا صَالحاً" قال: غُلاماً سَوِيّاً.
وظاهرُ قولِهِ: "دَعَوَا اللهَ رَبَّهُمَا" أَنَّ كلَّ أَبوَيْن يَدْعُوانِ بِذلِكَ، فإنْ حُمِلَ عَلى ظاهرِهِ قُلنا لا يخْلو أَبَوانِ مُشْرِكانِ مِنْ أَنْ يَتَمَنَّيا أَنْ يَكونَ لهُما مِنَ الحَمْلِ مَوْلوداً صالحاً، سواءً نَطَقا بِذلك أَمْ أَضْمَراهُ في نُفوسِهِما، والتمنّي إنَّما يكونُ على اللهِ، فإنَّ المُشِرِكِينَ في قرارةِ أنفُسهم يَعْتَرِفونَ للهِ بالرُبوبِيَّةِ، وبأنه هو خالق المخلوقات ومكوِّنها، كما أشرنا إليه غيرَ مرَّةٍ.
و "رَبَّهُمَا" فيه إِجْراءُ الصِفَةِ المؤْذِنَةِ بالرِفْقِ والإيجادِ، للإشارَةِ إلى اسْتِحْضارِ الأَبَوَيْنِ هَذا الوَصْفِ عِنْدَ دُعائهِما اللهَ، أَيْ يَذْكُرانِهِ باللَّفْظِ أَوْ ما يُفِيدُ مَفادَهُ، ولَعَلَّ العَرَبَ كانوا إذا دَعَوا بِصَلاحِ الحَمْلِ قالوا: رَبَّنا آتِنا صالحاً.
قولُهُ تَعالى: {هُوَ الذي خَلَقَكُمْ} هو: مُبْتَدأٌ، "الذي" خبرُه، و "خلقكم" صفتُه، وإيقاعُ المَوْصولِ خَبراً لِتَفْخيمِ شَأْنِ المُبْتَدَأِ، وجملة هو استئنافٌ.
قولُهُ: {من أنفسكم} من: هنا ابتدائيةٌ والمَشْهورُ فيها أَنَّها تَبْعِيضِيَّةٌ، أَيْ: مِنْ جَسَدِها، بعضٌ منها.
وقوله: {وَجَعَلَ مِنْهَا زوجها} مِنْها: صِفَةٌ ل "زَوْجَهَا" قُدِّمَتْ على المَوصوفِ للاهْتِمامِ بالامْتِنانِ بِأنْ جَعَلَ الزَوْجَ، وهُو الأنْثى مِنْ نَوعِ ذَكَرِها وهَذِهِ الحِكْمَةُ مُضْطَرِدَةٌ في كُلِّ زَوْجين مِنَ الحَيَوانِ.
قولُهُ: {لِيَسْكُنَ} عِلَّةٌ غائيَّةٌ للجَعْلِ، والضَميرُ المُسْتَكِنُّ فيها يَعودُ إلى النَفْسِ، وكان الظاهرَ تَأْنيثُه لأنَّ النَفْسَ مِنَ المؤنَّثاتِ السَماعِيَّةِ ولِذا أُنِّثَتْ صِفَتُها وهي قولُهُ: "وَاحِدَةٍ" إلاَّ أَنَّهُ جاءَ مُذَكَّراً هُنا باعْتِبارِ أَنَّ المُرادَ مِنَ النَفْسِ هُنا هو آدَمُ ـ عليه السَلامُ ـ ولو أُنِّثَ على حَسَبِ الظاهِرِ لَتُوُهِّمَ نِسْبَةُ السُكونِ إلى الأُنْثى، فَكانَ التَذْكيرُ أَحْسَنَ للمعنى.
قولُهُ: {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا} فَرَّعَ عَنْ "ليسكُنِ إليها" بِفاءِ التَعْقيبِ ما يحدُث عَنْ بَعْضِ سُكونِ الزَوجِ إلى زَوْجِهِ وهو الغَشَيانُ.
قولُه: {حَمْلاً} مفعولٌ بِهِ مَنْصوبٌ. ويجوزُ أَنْ يُرادَ به المصدَرُ فيَنْتَصِبَ انْتِصابَه، والأَوَّلُّ أَظْهَرُ. والحَمْلُ (بفَتْحِ الحاءِ) ما كان في بَطْنٍ أَوْ عَلى شَجَرَةٍ، و "الحِملُ" بِ "كَسْرِها" ما كان على ظَهْرٍ أَوْ رَأْسٍ. وقِيلَ يجوزُ في حملِ المَرأةِ الوجهانِ، وقيلَ يجوزُ مِثْلُ ذلك في حملِ النَخْلةِ.
قولُهُ: {أَثْقَلَتْ}، أَيْ: صارتْ ذاتَ ثِقلٍ كَقولهم: أَلْبَنَ الرَجُلُ وأَتْمَرَ، أيْ: صارَ ذا لَبَنٍ وتَمْرٍ. وقيلَ: دَخَلَتْ في الثِقَلِ، كَقولهم: أَصْبَحَ وأَمْسى، أَيْ: دخلَ في الصباحِ والمساءِ.
وقُرِئ "أُثْقِلَتْ" مَبْنِيّاً للمَفْعولِ. وأُضْمِرَ الفاعلُ للعِلْمِ بِهِ.
قولُه: {دَعَوَا اللهَ} مُتَعَلَّقُ الدُعاءِ محْذوفٌ لِدَلالَةِ الجُمْلَةِ القَسَمِيَّةِ عليه، أَيْ: دَعَواهُ في أَنْ يُؤْتيَهُما وَلَداً صالحاً.
وقولُهُ: {لَئِنْ آتَيْتَنَا صالحاً} الأظهرُ في هذا القَسَمِ وجَوابِهِ أَنَّهُ مُفَسِّرٌ لجملةِ الدُعاءِ كأَنَّهُ قِيلَ: فما كان دُعاؤهما؟ كان دعاؤهما كيت وكيت، ولذلك فإنَّ هذِه الجملةَ دَالَّةٌ عَلى مُتَعَلَّقِ الدُعاءِ. ويجوزُ أنْ يكونَ معمولاً لقولٍ مُضْمَرٍ تَقديرُهُ: فقالا: "لَئِنْ آتَيْتَنا صالحاً" و "صالحاً" مَفْعولٌ ثانٍ، أَيْ: وَلَداً صالحاً. أو نَعْتُ مَصْدَرٍ محْذوفٍ، أيْ: إيتاءً صالحاً. و لا حاجةَ إلى هذا لأنَّه لا بُدَّ مِنْ تَقديرِ المُؤتي لهُما. قولُه: {لَنَكونَنَّ} جَوابُ القَسَمِ، وجَوابُ الشَرْطِ محذوفٌ على ما تقرَّرَ.
قَرَأَ الجمهورُ: {فَمَرَّتْ} بتَشديدِ الراءِ ومَعناهُ: اسْتَمرَّتْ بِهِ، أيْ: قامَتْ وَقَعَدَتْ. وقيلَ: هوَ على القَلْبِ، أَيْ: فَمَرَّ بها، بمعنى اسْتَمَرَّ ودامَ. وقرأَ ابْنُ عَباسٍ ـ رضي اللهُ عنهما ـ وأَبو العالِيةِ ويحيى بْنُ يَعْمُرَ وأَيّوبُ "فَمَرَتْ" خفيفةَ الراءِ، والأصلُ فيها التَشديدُ، ولكنَّهم كَرِهُوا التَضْعيفَ في حرْفٍ مكرَّرٍ فَتَرَكُوهُ، وهو كَقِراءةِ منْ قرأ في سورة الأحزاب: "وقَرْن في بيوتكُنَّ" الآية: 33. بِفَتْحِ القافِ إذا جَعَلْناهُ مِنَ القَرارِ. ويجوزُ أَنْ يكون "فَمَرَتْ" مِنَ المِرْيةِ وهُو الشَكُّ، أَيْ: فَشَكَّتْ بِسَبَبِهِ أَهُوَ حَمْلٌ أَمْ مَرَضٌ؟
وقَرَأَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو بْنِ العاصِ ـ رضي اللهُ عنهما ـ والجَحْدَرِيُّ: "فمارَتْ" بأَلِفٍ وتَخفيفِ الراءِ. فيَجوزُ أَنَّها مِنْ مَارَ يَمورُ، أيْ جاءَ وذَهَبَ، ومارَتِ الريحُ، أَي: جاءت وذهبَتْ وتَصَرَّفَتْ في كُلِّ وجْهٍ، ووزْنُهُ حِينئِذٍ فَعَلَتْ والأَصْلُ مَوَرَتْ، ثمَّ قُلبتْ الواوُ أَلفاً فَهُوَ ك "طافَتْ، تَطُوفُ". ويجوزُ أَنَّها مِنَ المِرْية أَيْضاً فيكونُ وَزْنُها فاعَلَتْ والأَصلُ فيها: مارَيَتْ كَ "ضَارَبَتْ"، فتَحَرَّكَ حَرْفُ العِلَّةِ وانْفَتَحَ ما قَبْلَه فَقُلِبَ أَلِفاً، ثمَّ حُذِفَتْ لالْتِقاءِ الساكِنَينِ فهُوَ ك "بارَتْ" و "رامت".
وقرَأَ سَعْد بْنُ أَبي وَقَّاص، وابْنُ عَبَّاسٍ أيْضاً والضَحَّاكُ ـ رضي الله عنهم: "فاسْتَمَرَّتْ به" وهيَ واضِحَةٌ. وقَرَأَ أُبَيّ بْنُ كعبٍ ـ رضي اللهُ عنهـ "فاستمارَتْ" وفيها الوَجْهانِ المُتَقَدِّمانِ في "فمارَتْ"، أَيْ: أَنَّهُ يجوزُ أَنْ يَكونَ مِنَ المِرْيَةِ، والأَصْلُ "اسْتَمْرَيَتْ"، وأَنْ يَكونَ مِنَ المَوْرِ والأصلُ: استَمْوَرَتْ.
__________________
أنا روحٌ تضمّ الكونَ حبّاً
وتُطلقه فيزدهر الوجودُ
عبد القادر الأسود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 174 عبد القادر الأسود المواضيع الاسلامية 0 12-05-2014 01:28 PM
فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 98 عبد القادر الأسود المواضيع الاسلامية 0 09-22-2014 03:38 PM
فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 94 عبد القادر الأسود المواضيع الاسلامية 0 09-19-2014 07:46 AM
فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 94 عبد القادر الأسود المواضيع الاسلامية 0 09-19-2014 07:41 AM
فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 96 عبد القادر الأسود المواضيع الاسلامية 0 09-19-2014 07:33 AM


الساعة الآن 05:14 AM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir